عُرف عبد المحمود عبد الحليم سفير السودان الدائم في نيويورك بالتصدي لدعاوى محكمة الجنايات الدولية، ورئيسها لويس مورينو أوكامبو، والدور الكبير الذي لعبه ومجموعة في إيقاف القرار (1706) الذي أراد وضع السودان بأكمله تحت الوصاية، ليصدر بعد ذلك القرار(1769) الذي تشكلت بموجبه القوة المشتركة بين الاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة، كما نجح عبر حضوره الفاعل في الإمساك بملفات السودان الشائكة والمصادمة في جلسات وردهات الأممالمتحدةبنيويورك، ولكن ها هي الحكومة تتخلى عن الرجل، وتدفع بالسفير بوزارة الخارجية دفع الله الحاج علي عثمان، الدبلوماسي المتخصص في الدبلوماسية المتعددة الأطراف، الذي عمل ببعثة السودان الدائمة لدى الأممالمتحدةبنيويورك، وبمكتبها في أوروبا، ومقره جنيف، بعد أن شغل في أوقات سابقة منصب سفير السودان بدولتي بنغلاديش والباكستان، ومديراً لإدارة المنظمات الدولية بوزارة الخارجية لثلاث سنوات. ومعرفة الرجل التراكمية بحكم عمله في الأممالمتحدة؛ لعبت دوراً في مجابهة تداعيات وملابسات قرار المحكمة الجنائية الدولية، وكانت ضمن أبرز أسلحة الدبلوماسية السودانية لهزيمة القرار بحسب المسؤولين بالحكومة. مواجهة وعين حمراء ولكن ما يثير التساؤلات أن قرار نقل عبد المحمود الذي تأكد مساء الخميس الماضي، يأتي والسودان يستشرف مرحلة بالغة الحساسية بالنسبة للدبلوماسية السودانية وحراكها في الملفات الخارجية، لا سيما في الأممالمتحدة، ففي يونيو المقبل ينتظر أن يقدم لويس مورينو أوكامبو تقريره الدوري لمجلس الأمن الدولي، وسيكون التقرير هو الأول من نوعه بعد إضافة تهمة الإبادة الجماعية، كما أن حراكاً دبلوماسياً إقليمياً ودولياً واسعاً، بدأ بالفعل قبل بداية الانتخابات، ويتوقع له أن يستمر بإيقاع ساخن، حتى مرحلة ما بعد الاستفتاء، وهو ما أكده السفير الصاوي بالإدارة السياسية للقصر الجمهوري الذي قال ل«الأهرام اليوم» أمس، إن الجنائية في الوقت السابق كانت مواجهات من أوكامبو، ولا يتوقع أن تتوقف، وهو ما كان يتعامل معه عبد المحمود بالمرصاد و«العين الحمراء». ومضى الرجل ليقول «وحتى الآن لم يحدث تغيير يذكر في ملف الجنائية، وأوكامبو متحفز، وأتوقع أن تستمر المواجهات إلى أن تاتي متغيرات ويقوى السند الأفريقي للسودان والتضامن معه». إلا أن السفير توقع أن تكون فترة عمل دفع الله الحاج علي بحكم خبراته الواسعة ومهنيته العالية والمتواصلة، وصلته بالأممالمتحدة وتخصصه في مجال العمل بالمنظمات؛ أن يدير ملفات السودان الخارجية بذات الكفاءة التي تميز بها عبد المحمود. ومضى ليقول «في العمل الدبلوماسي ليس هنالك شخص يقال عنه إنه (شاطر) أو كذا أوصاف، فكل شخص يقضي فترة عمله ومن ثم يتم تحويله ونقله إلى مكان آخر بعد قضاء 4 سنوات من العمل في الموقع المحدد». وامتدح الصاوي عبد المحمود بأنه جريء في مخاطبة المشكلات، ويحفظ الملفات. ويرى البعض أن غياب عبد المحمود في مثل هذا التوقيت قد يسبب حالة من الارتباك لدى الأطراف الدبلوماسية في نيويورك، لا سيما أن الإعفاء يأتي متزامناً مع تغييرات مرتقبة في حكومة الخرطوم، ما يفتح الباب أمام حالة من تعدد السيناريوهات، وتوقع تغييرات محتملة في السياسات السودانية بالنسبة للأطراف التي اعتادت على التعاطي مع السفير عبد الحليم، وطوّرت معه نوعاً من التقارب والتفاهم على خطوط عريضة للعمل، إلا أن مدير الإدارة السياسية بالقصر الجمهوري السفير عثمان نافع في حديثه ل«الأهرام اليوم» أمس «السبت» برر بأن أسباب نقل عبد المحمود من نيويورك إلى الخرطوم لا تأتي قدحاً من الحكومة في صدقية الرجل، أو مرتبطة بأدائه أو فشله في مهمته كما يتصور البعض، بل على العكس فإن الرجل كان متميزاً في أدائه ووجد التقدير والإشادة من قيادة الدولة خلال الفترة التي قضاها في نيويورك، وكان مدافعاً صلباً عن قضايا السودان، ولكن طبيعة العمل الدبلوماسي اقتضت تغييره، ورغم أن الرجل اشتهر بتصديه للهجمات المتكررة والناقدة لأداء الحكومة، وظهوره المتكرر عبر شاشات التلفزة وهو يدحض هذا القرار، أويكذب ذاك التصريح، مما ينسب للسودان من اتهامات، إلا أن السفير عثمان قال إن عبد المحمود لم يدر ملفات السودان بمفرده، بل بمعاونة جهاز الدولة بكامله، بما في ذلك وزارتي الخارجية والعدل، بجانب طاقم بعثة متكامل في نيويورك من الدبلوماسيين والمتخصصين. معارك دبلوماسية ومع هذا وذاك؛ فإن انتقادات كثيرة صوبها بعض السودانيين المعارضين بالخارج للرجل بسبب مواقفه التي تُوصف بالمتشددة، كما أن الرجل بمحاولاته المستميتة للدفاع عن السودان بات شخصاً مقلقاً، لكن قرار نقله للخرطوم الذي تأكد مساء الخميس، أنهى سيرة الرجل المهنية في أروقة الأممالمتحدة على نحو غير متوقع، فعلى الرغم من ثقل المهمة، إلا أن نشاطه ووجوده الدائم للدفاع بشراسة عن وجهة نظر السودان داخل مجلس الأمن وخارجه؛ جعل مؤيديه ومنتقديه على حد سواء يشعرون بأن أمامهم وقت طويل حتى يروا هذا السفير فاقداً حماسه وقدرته على المواجهة وخوض المعارك الدبلوماسية. ولكن ينتظر الرجل منصب آخر يشغله بالخرطوم، وبحسب عثمان نافع فإن عبد المحمود يتوقع أن يأتي ضمن كبار السفراء بوزارة الخارجية، ولكن ترك الأمر لقيادات الوزارة في أن تقرر هل يشغل منصب الإدارة السياسية أم الاقتصادية، لا أحد يعلم، إلا أن نافع بدا واثقاً من مقدرة الرجل على إدارة أي ملف يحال إليه أو أي موقع ليشغله، وبكفاءة. تركة مثقلة.. مهام معقدة دفع الله الحاج علي الذي قضى فترة سفيراً ودبلوماسياً في الباكستان، وقبلها شغل منصب نائب المندوب الدائم للأمم المتحدة في نيويورك، رغم أن المهمة التي تنتظره جسيمة تتطلب منه المضي على خطى سلفه أو تحري الأفضل في إدارة ملفات السودان الخارجية، إلا أنها هي ما جعلت السفير عثمان نافع يبدو واثقاً من إمساك المندوب الدائم الجديد بمقاليد القضايا مهما كانت درجة تعقيدها، لكون الرجل على دراية بالعمل في الأممالمتحدة وأجواء نيويورك، وهي ليست غريبة عليه، لكونه عمل فترة في نيويورك مع السفير الفاتح عروة. وقال «السفير دفع الله مؤهل لملء المنصب، وصحيح أنه قد يكون لديه أسلوب مغاير في إدارة ملف السودان بالأممالمتحدة، عن أسلوب عبد المحمود، ولكن السياسة العامة التي طبقها الأخير اعتقد سيتبعها سلفه». ورأى أن اختيار الرجل طبيعي وأن لديه حيثياته من قبل الجهات العليا في الدولة التي اختارته لشغل المنصب لما يتميز به من كفاءة وقدرة على إدارة الملفات بذات النهج الذي كان يديرها به سابقه. وقال إن الجهات التي اختارته لشغل الموقع إذا لم تأنس فيه الكفاءة لما دفعت به في منصب حساس مثل هذا. وبحكم علاقة الرجل بالعمل في المنظمات والتعامل معها لكونه شغل منصب مدير إدارة المنظمات بوزارة الخارجية وبحكم خبرته الطويلة في المنظمات الدولية في جنيف، رجح مراقبون أن ينتظر الرجل ويفتح في ولايته ملف المنظمات العاملة في السودان التي قامت الحكومة بطردها في العام الماضي، التي ينظر لها البعض على أنها ستكون أولى كروت الضغط الجديدة التي يشهرها المجتمع الدولي في وجه السودان ليدخل الرجل في مرحلة تصد ومناكفات جديدة بجانب قرار محكمة الجنايات الدولية والمصادمات لقرار مجلس الأمن المرتقب لا سيما أن الرجل لطالما استخدم الصيغ القانونية في مجابهة قرار الجنائية بخلاف سلفه عبد المحمود الذي كثيراً ما يوصف بحسب المراقبين بأنه مصادم أكثر من كونه ميالاً للنصوص القانونية. وقال السفير دفع الله في إحدى محاولاته للرد على قرار محكمة الجنايات «نظراً لعدم منطقيتة وقانونيته ومجافاة القرار للأعراف والقوانين الدولية، فإن مصيره سيكون الهزيمة والخسران»، لتبقى الأيام والدبلوماسية رهاناً أمام الرجل لتحقيق مبتغاه.