أعرف شخصيا سعادة مندوب السودان الدائم لدى الأممالمتحدة السفير عبد المحمود عبد الحليم وأزيد في معرفتي له بمقدار ما يتابعه الإنسان المهموم بشئون بلده وشئونها عبر أجهزة الإعلام عن حال هذا العالم الذي يتنزى جسده بالكثير من المؤامرات والدسائس . ربما كانت معرفتي بالسفير من بعيد لى بعيد- حسب أغنية عوض الجاك تلك - على صعيد الأسرة المريخية التي يعتبر السفير أحد دعاماتها خاصة عندما كان سفيرا للسودان بالهند وقدم من هناك الكثير لإستاد ناديه مثلما قدم لوطنه على صعيد الدبلوماسية والثقافة والاقتصاد والإعلام. لذلك لم يكن من المستغرب أن تمنحه القيادة السياسية في اختيار صائب ملف السودان لدى المنظمة الدولية في أقسى مرحلة عرفها ويعرفها الوطن . ومتابع متخصص للشأن السوداني فقد أعجبت ولم أتعجب لهذا الرجل الذي يدرك أن مهمة السفير ليست حريرا وظيفيا وإنما هي فعل القادرين على التمام حماية للأمة وصونا لكيانها ومنافحة لأعدائها في منبر لا يحفل الا بالكيانات القوية بعد أن ساد فيه الباغي ونسقت فيه الدوائر المعادية تخطيطا ذكيا للنيل من بلادنا وإجهاض أحلامها في التنمية والوحدة والبناء . لقد علمت من العديدين الذين تربطهم صلة علاقة بهذا الرجل أن دأبه في حب الوطن قديم منذ تفجر الإنقاذ عندما وقف هذا الرجل وكان وقتها مستشارا بوزارة الخارجية يقدم عرضا ضافيا في احد مؤتمرات القمة في أديس منافحا عن صورة للسودان رآها أحد زعماء القارة يومئذ مجحفة ظالمة في حق الجنوبيين فكانت مرافعته رصيدا قويا لثورة الإنقاذ الوطني التي كانت يومها تتلمس طريقها نحو الخروج ووجهها الناصع وقلبها الأبيض تجاه الشطر الجنوبي من بلادنا وتجاه الوطن ككل وفق إدراك ذكي للقيادة بأنه ما استهدفت أمة في التاريخ استهدافا وبيلا وماكرا الا من ناحية وحدتها وأمنها وتماسكها. الذين يعرفون السفير عبد المحمود منذ أيام عمله الأولى برئاسة الوزارة بالخرطوم وانتقاله بمرتبة المستشار الى أديس يعرفون عنه قناعته بمفهوم الدبلوماسية الشعبية وهو من الذين مضوا قدما بهذا المفهوم تفعيلا لم يكتف بصهر وجداني دولتي النيل الأزرق فحسب وإنما أمتد أداؤه على الصعيد الاقتصادي فيما بعد إلى البحر الهندي الذي وصلت اليه بجهد بشارات النفط السوداني ليتفاعل جهد هذا الرجل مثمرا المزيد من المعاملات الضخمة في هذين المجالين السودان والهند. عند تسلم السفير عبد المحمود مهامه الأممية ، أشفق الكثيرون على الرجل وعلى بلادنا فالتآمر ذكي ومتجدد ومنسق والقرارات الأممية متتالية وموجهة بعنف نحو خاصرة الوطن الا أن تمكن الرجل من بناء خلية عمل متجانسة وإعداد استراتيجية دفعها بقوة نحو النجاح بعلم واستراتيجية وخبرة وعلاقات قوية ومهارات تواصل جبارة تمكن من خلالها من صب الماء على نيران كثيرة أرادوا إشعالها في بيت الوطن وتمكن من إحباط المشروع الصهيوني الأمريكي الأمبريالي الذي هو جزء من مشروع كبير ومنسق يستهدف تركيع الامة العربية والإسلامية التي تعرف أن السودان سيف من سيوفها. لقد ورد في الأنباء مؤخرا حديث عن إنهاء خدمة الرجل بالمنظمة الأممية ، ولان السفير عبد المحمود من الذين تمكنوا من ربط مهام الدبلوماسي بالدفاع والتنمية والاقتصاد فقد رأى الكثيرون أن وراء الأكمة ما وراءها وأن هذا النقل في وقت لم تتشكل فيه بعد ملامح الحكومة الجديدة قد يكون من خلفه ضرب من الغيرة الوظيفية ورآه آخرون نوعا من العقوق الوطني بينما رآه الكثيرون انشغال إدارة وزارة الخارجية بغنائم الانتخابات وسعيهم لخدمة أجندة خاصة في هذا الخضم عبر نظرة لا تحفل بالقيمة الاستراتيجية لشئون الوطن وإنما تحفل بالتعاقب الوظيفي وسطحيات النقل والترقيات وفى غياب عبد المحمود سينعم اوكامبو وأمثاله بطول سلامة. * باحث في العلاقات الدولية-جامعة ولاية لويزيانا الولاياتالمتحدة الأأمريكية [email protected]