نتوهم في أحيان كثيرة أننا نقوم بأدوار مهمة في حياتنا للخروج من وهاد العذاب، ولا نتجاوز هذه الأدوار سوى ساعات، وربما تطول إلى سنين عدداً، يخال لنا أننا نرتاح فيها من رهق الحياة، ولكن ندوخ من التعب، فهو تعب لذيذ ومحبب لدى الكثيرين، خاصة الذين يمارسونه مرات ومرات.. والسفر أحد هذه الأدوار التكميلية التي يستهدفها الإنسان لمعرفة الغامض في عالمنا فيكتشفه، فقبلاً؛ الرحالة العالمي كولومبس مكتشف الدنيا الجديدة «أمريكا» التي أتعبت عالمنا اليوم.. وابن بطوطة، والقائمة تطول، فهؤلاء حملوا أنفسهم على حب السفر فأدمنوه.. والسفر في أحيان يمتد إلى مهاجر ومناف في بلاد الله البعيد حيث استوطن إيليا أبو ماضي، ميخائيل نعيمة، جبران خليل جبران أمريكا اللاتينية بعد هجرتهم من لبنان. وفي عصر التحولات الكبرى ما عدنا نعيش مشاعر السفر ودموع الوداع نسبة للسرعة الخرافية والهائلة التي تميز بها هذا العصر. مصطفى الحاج بابكر قال بمجرد ذكر السفر «أتوه في عوالم سحرية، وأتمنى أن أصلها، وتلك المدن التي تضج بالروعة والحياة مثل زيورخ وكوبنهاجن وفينسيا وغرناطة في أسبانيا، أتوق إلى رؤيتها». وأبان «أنا من أنصار السفر وكل العمر أتمنى لو أكون مسافراً». ويقول سالم محمود «أكون متوازناً جداً وأنا في حالة السفر وكأنني أردد أغنية (بتذكرك) التي صاغها الشاعر محمد نجيب محمد علي وتغنى بها الفنان أحمد شاويش: (حتى السفر خلاني أشتاق لي السفر)». وأستطرد قائلاً: «أعيش في عالم المسافرين.. وأشتم (رائحة غير)، وتلك اللحظات.. الوداع وما يصاحبه من دموع صادقة، خاصة حلاوة العودة». وأشار إلى أن السفر دائماً ما يجعلنه حائراً في أمره، «ولكن تجدني مجذوباً إليه بشكل غريب ولا أعرف الأسباب، وفي عصر التحولات التي اكتنفت عالمنا؛ الإنسان لم يكف عن التفكير فيه أو ممارسته». أما صفاء الزاكي فتقول إن السفر علاج لبعض الأمراض العارضة التي تصيب بعض الناس كالقلق والاكتئاب، واصفة السفر أن به فوائد جمة، كما ذكرها الشاعر، «وأنا شخصياً مولعة بالسفر إلى المدن والمصائف التي دائماً ما يتحدث عنها الناس كثيراً». وترى صفاء أننا نمارسه ليس هروباً بل لكي نشفى من حبسنا وقلقنا الذي لا ينتهي. إذن السفر له مذاق مختلف من إنسان لآخر ولكن رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم يقول إن السفر قطعة من الجمر.. كما جاء عنه دعاء السفر بما يحويه من تعب وخلافه: «سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون». ٭ تبت من السفر ويغرد الشاعر محمود محمد مدني في أغنيته الرائعة التي صاغها لحناً وغناء أبو عركي البخيت حين قال: «يا قلب أنا كنت قايلك تبت من تعب السفر ومن مخاواة القماري ومن شراب موية المطر» وفي ذات السياق حدثني الشاعر عثمان سعيد بقوله: «السفر، هذا الغامض المجهول، دائماً ما أقف متأملاً لماذا نسافر عبر أنسجة الخيال وعبر الموانئ والمطارات و(باصات) السفر، فأجد نفسي غير قادر على اختيار العبارة التي أحدد بها ما أقول حول هذا الغامض اللذيذ». ويشير سعيد «إنني كشاعر أسافر كل لحظة عبر الخيال، عبر القوافي، فتكتبني القصيدة كأجمل رجل في العالم». ويضيف «تعجبني جداً تلك المقاطع للشاعر هاشم صديق: جاييك يا آخر المواني من ظلمة البحر الممدد في الفراغ من غربة الجزر المسورة بالهواجس والضياع جاييك معاي ملح التجارب زي محارب مجروح وخايض في الغبار». المتجهجه الأممي : حب نعنوشة حب خطري يصيبك تمشي للبطري!