يقول الشاعر: بلادي جنة الدنيا وروض ربيعها الأخضر تعالى الله باركها وأجرى تحتها الكوثر فالنيل في السودان له طعم خاص ولون مميز نحبه كثيراً ونخاف منه فهو بالنسبة لنا كالأب في الأسرة، فالنيل مصدر خير وعطاء لنا في الزراعة والسقيا والكهرباء، وأيضاً يكون أحياناً مصدر خوف ورعب في حالة غضبه وفيضانه فيثور فيدمر قرى ومزارع ويهدد أخرى وينتاب الناس شعور بالفرحة والخوف في وقت واحد. فأحياناً يؤدبهم إذا ماخالفوا الأدبا ويهديهم إلى الرشد فيضحي أمرهم عجبا ونحن السمر أبونا النيل والكل سودانيا وأهم فرع لنهر النيل هو النيل الأزرق وترجع أهميته لمساهمته في مياه النيل في موسم الأمطار والتي تبلغ حسب تقرير منظمة الفاو نحو 80 85% عند الذروة وتصبح في الحالات الدنيا لمنسوب نهر النيل نحو 70%، فبالتالي فإن معظم إيراد النيل من المياه المحملة بالطمي الذي يكسب الأرض جمالاً وخصوبة يأتي من النيل الأزرق، والبعض يسميه بالنهر الشاب لأنه في موسم الفيضان يكون في حالة ثورة فيترقبه الناس في شوق ولهفة وخوف. ومنبع النيل الأزرق من بحيرة تانا في الهضبة الأثيوبية وينحدر نحو سهول السودان لذا فالسودانيون لهم ود خاص مع النيل الأزرق يقول أحد الشعراء: حبشي اللون كجيرته من منبعه وبحيرته صبغ الشطين بسمرته لوناً كالمسك وكالعنبر وكثيراً ما نلجأ إلى شاطئ النيل نبث له همومنا ودفين مشاعرنا كأنه يبادلنا تلك الأحاسيس والمشاعر فنعود منه ونحن في حالة رضى أو في حالة إسترخاء وسعادة، فنجد كثيرا من الشعراء ذكروه في شعرهم بالروعة والجمال يقول الشاعر: وتلقى فيها النيل بيلمع في الظلام زي سيف مجوهر بالنجوم من غير نظام تنزل هناك وتحي يا طير باحترام وفي الأثر النبوي الشريف (ثلاثٌ يُذْهِبْنَ الحَزَن، الخضرة والماء والوجه الحسن). فنجد الماء الرقراق في النيل والخضرة على جانبيه .. وقف أحد أبناء النيل متأملاً انسياب تلك المياه وقد داعبت نسمات النيل مشاعره فأنشد يقول على حسب لهجته (يا نيل يا طويل ياحلولو بالليل ده ماشي وين؟). فلنا ود قديم مع النيل ومع اثيوبيا حيث هاجر إليها المك نمر بعد حرقه لإسماعيل باشا وصحبه، فرحب به ملك اثيوبيا آنذاك ومنحه أرضاً أقام فيها مدينته وسماها المتمة. فتوجد جالية سودانية كبيرة في إثيوبيا كما توجد جالية إثيوبية كبيرة في السودان فالتواصل بيننا موجود منذ القدم والآن هناك إستثمارات سودانية في اثيوبيا ولقد قامت حكومة السودان بإنشاء شارع أسفلت يربط بين السودان واثيوبيا بغرض التجارة والمواصلات وخاصة أن اثيوبيا ليس لها ميناء بحري فهي دولة مغلقة لذا قام السودان بمنحها تسهيلات في ميناء بورتسودان من أجل صادراتها ووارداتها والآن هناك إتجاه لتوصيل الكهرباء لأثيوبيا من سد مروي. فالسودان يعتمد كثيراً في الزراعة واستخراج الكهرباء على النيل الأزرق وخاصة من خزاني الروصيرص وسنار وأهم المشاريع الزراعية في السودان تعتمد على النيل الأزرق وخاصة مشروع الجزيرة. وقد طالعتنا الصحف ووكالات الأنباء بوجود صراع على مياه نهر النيل وأن لإسرائيل أصابع في تحريكها. وكما يقولون فإن إسرائيل منذ زمن وعينها على مياه النيل حتى أنه في عام 1991 أقامت جمعية المهندسين المصريين بمصر ندوة أكدت فيها أن إسرائيل تقوم بسرقة المياه الجوفية من سيناء بحفر آبار على عمق 800 متر من سطح ارض فهي تريد مياه النيل إما بمد أنابيب من مدينة الإسماعيلية أو من أسفل قناة السويس وذلك من أجل توطين اليهود في صحراء النقب. والآن تتجه إسرائيل نحو منبع النيل الأزرق في اثيوبيا من أجل إقامة سدود وايجاد وضع لها هناك قد يمكنها في المستقبل من الاستفادة من مياه النيل. فالسودان عليه أن يتحرك من أجل مصلحته وتأمين مصادر المياه بإيجاد علاقات قوية سياسية واقتصادية مع الجاره إثيوبيا فنضم أثيوبيا بين ضلوعنا ومنابع النيل الأزرق بين قلوبنا ولا نجعل الأحداث هي التي تحركنا. كما وأن السودان غني بموارده المائية تلك الوديان الموسمية التي تجري في فصل الخريف فتقوم بعمل السدود اللازمة لها وإستخراج المياه الجوفية ومنها على سبيل المثال حوض بارا الجوفي وبحيرة شلنقو بالقرب من لقاوة ووادي الملك وبحيرة دارفور .. وما أكثرها. فلنضع الخطط السليمة وكل هذه الدراسات موجودة الآن في وزارة الزراعة ووزارة الري فلنجعل من عام 2011م عام المياه ونسخر كل إمكانيات الدولة من أجل إستخراج المياه واستثمارها في مجال الزراعة وتربية الحيوان والخضر والفاكهة.