شهدت أرجاء ولاية الخرطوم خلال الآونة الأخيرة الكثير من جرائم القتل التي تترواح ما بين «122» إلى «139» في ولاية الخرطوم خلال النصف الأول من العام الحالي حسب إحصاء وزارة الداخلية، وسجلت الشرطة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة «1251» بلاغاً، وسجل العام 2005م «268» بلاغاً. أصبح القتل من أسهل الأشياء وأصبح الكل يتعامل مع الخبر بصورة عادية إذ لا تخلو أي صحيفة يومية من خبر قتل. وتأتي جرائم القتل لدوافع متعددة وتختلف باختلاف مرتكب الجريمة، وتتراوح بين أخلاقية، ومالية أو سياسية، أو قتل بغرض الانتقام. وفي كل الأحوال هنالك جانٍ ومجني عليه، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه، هل فكرت يوماً أن تقتل شخصاً وتقوم بدور الجراح، فتفتح بطن المريض، وتقطع جسد ضحيتك إلى أشلاء دون أن يهتز لك جفن، أو تصيبك رجفة؟ ، فالكل يعلم أن القتل من أسوأ الجرائم البشرية، ولكن القتل الذي يرافقه تشفٍّ؛ مسألة أسوأ بكثير، فالقاتل يجرب لحظات التوتر التي تسبق الجريمة، ويخوض عملية القتل بكل بشاعتها النفسية، فيتحول القاتل من إنسان عادي إلى وحش آدمي يسير على قدمين، فأين تكمن الأسباب؟ وهل لازدياد الفقر والنزوح ووجود المخدرات وسط المجتمع بصورة كبيرة واستهداف الشرائح الشبابية؛ دور في القتل بهذه الصورة ومن هنا آثرت «الأهرام اليوم» الوقوف على ظاهرة القتل بكل أنواعه، وإيجاد تحليل نفسي لحالة القاتل، فإلى مضابط التحقيق: «1» جرائم القتل البشعة التي حدثت في السنوات الأخيرة كثيرة، لكن أشهرها على الإطلاق جريمة اغتيال هزت الوسط الصحفي والمجتمع السوداني عامة في سبتمبر عام 2006م، إذ اختطفت مجموعة أشخاص المجني عليه من منزله بحي كوبر بالخرطوم بحري، بعد تخديره، وبعدها أخذوه إلى منزل بمنطقة سوبا، ونقلوه بعربة «بوكس» إلى منزل في حي مايو، وأدخلوه إلى غرفة في منزل عشوائي، وهناك ذبحوه، ونقلوا جثته وألقوا بها في الخلاء الواقع عند منطقة القادسية، ومضوا مسرعين تاركين رأسه مفصولاً عن باقي جسده. وتوصلت الشرطة إلى القتلة العشرة وقدمتهم إلى المحكمة التي قضت بإعدام «9» منهم ونفذ الحكم في سجن كوبر في أبريل الماضي وسط إجراءات أمنية غير مسبوقة. «2» أما الجريمة الثانية؛ فكانت في حق ع . ب . أ ، إذ أخذه صديقه إلى بدروم منزله المكون من طابقين بالصافية، وأطلق عليه الرصاص في الحمام، من مسدس، وقطع جثته إلى 16 قطعة ووضعها في أكياس نايلون سوداء، وحملها بعربته وألقى بها في القمامة عند منطقة مايو، وذهب بعد ارتكابه الجريمة وسهر في صالة البلياردو. وتم اكتشاف الجثة في اليوم التالي، وجمعت أشلاؤها المتناثرة وأعيد تركيبها في مشرحة الخرطوم. في ما بعد تمكنت الشرطة من التعرف على القاتل، وحكم عليه بالإعدام ونفذ الحكم في سجن كوبر. «3» والثالثة، التي راح ضحيتها صائغ معروف، إذ دعاه صديقه للمبيت معه في شقته في أركويت، وهناك قام بتخديره وذبحه، وسرق مصوغات ذهبية من محله ببرج الذهب بالخرطوم. وتقول التحقيقات إن المتهم قطع جثة صديقه لعدة أجزاء وألقى بها في مصرف مياه الأمطار جنوبالخرطوم. وعثرت الشرطة على الرأس أولاً، وعثرت على الباقي لاحقاً، وعوقب بالإعدام، ونفذ فيه حكم الإعدام في أكتوبر الماضي. { تحليل جنائي التقينا بالباحثة النفسية بمستشفى التيجاني الماحي الأستاذة أمل محمد أحمد، وذلك لشرح نفسية القاتل قبل وبعد ارتكاب الجريمة. وقالت إن المرض النفسي في حد ذاته يمر بعدة مراحل ويعتمد على الحدث وقوة وقدرة احتمال الشخص وتداركه للموقف، وكيفية معالجته، ولهذا فكل إنسان معرض لأن يمر بحالة نفسية، ولكن علمياً لا يطلق عليه «مريض»، فالمرض النفسي لا يأتي إلى الشخص فجأة، أو بدون مسببات، وله عدة عوامل وأسباب، تكون واضحة ومعروفة، ومنها الأسرة، فنجد أن لها الدور الأكبر في أن يصبح الطفل أو الطفلة سوياً ومستقراً نفسياً. إذن فهذه المشاكل تبدأ منذ الطفولة، فيكون هنالك خلل في نوع التربية، كخلاف الوالدين أو العصبية أو التناقض في التعامل بين الوالدين، فيكون الطفل مشتتاً بين الاثنين، فينجذب مرة إلى هذا ومرة إلى ذاك، وأيضاً عدم اهتمام الأبوين بالتفاصيل المتعلقة بأخلاق الأطفال التي هي مأخوذة منهما وكثيراً ما نسمع «ده طبعوا كده»، وكل هذه الأسباب تؤدي إلى خلق شخص غير سوى، وأيضاً هنالك مؤثرات تؤثر سلبياً على الأطفال، مثل العنف السينمائي، ومدى تأثيره على شخصيات الأطفال، وسبق أن كانت لدينا حالة الطفل الذي شنق نفسه تقليداً لبطل إحدى المسلسلات. وتضيف أن هنالك مرضاً من الممكن أن يصيب أي شخص، مثل الاكتئاب، مثلاً، إذا فقد أحد شخصاً عزيزاً عليه، ولكنه يزول بزوال المؤثر، ولكن هنالك أشخاصاً تتفاقم عندهم تلك الحالة، وتتحول إلى أشياء أخرى ويشترك العقل والأحاسيس معاً، مما يجعل نفسية الشخص قادرة على ارتكاب أي فعل، حتى ولو كان القتل، وهنالك قتل بدافع المرض العقلي، فيكون الشخص غير واعٍ ومدركٍ لما يحدث فيأمره عقله بفعل أي حدث يراه في مخيلته، وعلى سبيل المثال الرجل الذي قام بقتل الفنان «خوجلي عثمان»، فهو لم يره في حياته، لكن هيأ له عقله ضلالات، وفكَّر في أن الذي يتغنى به المرحوم كان يقصد به زوجته، ولهذا قام بقتله. وبالرغم من ذلك فهو ليس معفياً من العقاب، إلا في حالة أن يكون له تاريخ مرضي معروف في إحدى المستشفيات، وأما عن القتل بصورة عامة فهو أصبح شيئاً عادياً وطبيعياً، وهو يحدث تحت تأثير الغضب، ولكن الشيء غير العادي والدخيل على مجتمعنا السوداني؛ هو التخطيط والترتيب لقتل شخص، سواء أفرد أم مجموعة من الأشخاص، والأدهى والأمر؛ الظاهرة التي جاءت مؤخراً، وهي التبشيع والتمثيل بالجثة، فالأسلوب حديث، والدافع مختلف، بعد موت الضحية. ويرجع هذا لعدة أسباب أولها عدم التسامح، لأن القاتل يحس بعد موت الضحية وكأنه لم يأخذ حقه بالكامل، ولذا يلجأ إلى تقطيعها لعدة أجزاء انتقاماً من الضحية، وأيضاً يمكن أن يكون القصد إخفاء الجريمة، إذ يخيل للقاتل أنه عندما يقوم بتقطيع الجثة كما لو استطاع إخفاءها من نظر القانون. وتؤكد في ختام حديثها أن شخصية القاتل تكون قاسية القلب، وكل مرتكب جريمة لا بد أنه تعرض إلى قسوة من المجتمع، وأن ليس كل مرتكب جريمة مريضاً نفسياً. { ثلاثة طرق تؤدي إلى القتل التقينا بالباحث الاجتماعي عصام الدين إدريس، وقال: القتلة غير معزولين من المجتمع، فهم جزء منه، ففي الفترة الماضية كان ما يحدث في ولاية الخرطوم حكراً عليها، أما الآن فأصبحت كل المعلومات متاحة للجميع، وذلك من خلال التطور التكنولوجي فهذا ليس بالشيء الغريب، وإنما الغريب هو التقليد الأعمى الذي أصاب الشعب السوداني، وهذا الذي دفع بعض أفراده للجوء إلى العنف. وذكر أن من أهم الأسباب التي تؤدي بالشخص إلى أن يصل مرحلة مثل أن يقتل شخصاً يمكن حصرها في ثلاثة أشياء أو أسباب أو عوامل، وهي: الأسرة، وغياب الوازع الديني، والمجتمع المحيط بالشخص. فالأسرة دورها يعتبر الأكبر في متابعة الطفل منذ ولادته وطريقة تربيته مروراً بطور المراهقة إلى أن يصل مرحلة الرشد. والشيء الثاني وهو الوازع الديني فهذا أيضاً له علاقة بالأسرة والتربية فإذا عرف الطفل منذ صغره أصول دينه وتربى على الصلاة والصوم فهذا يجعله أكثر حرصاً على الحفاظ على نفسه وعلاقته مع ربه. والشيء الثالث وهو المجتمع لأن فترة خروج الطفل إلى الشارع واحتكاكه مع من فيه تعتبر مرحلة تكوين شخصية بالنسبة له. وأضاف: إن المجتمع يمثل النصف الآخر لكل شخص فإذا كان شخصاً جيداً ومن معه أشرار؛ فإن الكثرة تكون سيدة الموقف، والعكس. ويضيف: زاد معدل الجريمة في الآونة الأخيرة زيادة ملحوظة وأصبح القتل شيئاً طبيعياً جداً وتكاد تكون أسبابه معروفة، فإما من أجل المال أو الاغتصاب أو الشرف أو الغيرة أو أسباب سياسية وأخرى أسرية. ويقول إن كل مرتكب جريمة لديه استعداد نفسي لأن يكون مهيأ لفعل هذا الشيء لأنه وجد لنفسه أسباباً منطقية دفعته لارتكاب الجريمة. وختم حديثه قائلاً: وقف المزيد من الدماء يبدأ من الأسرة وينتهى بالمجتمع.