{ بعثت إلينا إدارة الإعلام والعلاقات العامة بهيئة مياه ولاية الخرطوم، أمس، بتعقيب مسنود بنتائج فحص للمياه تؤكد أنها مطابقة للمواصفات، رداً على التحقيق الموسّع الذي أجرته رئيسة قسم التحقيقات ب«الأهرام اليوم» الزميلة المثابرة «إنعام عامر». وقبله بيوم، أرسلت لنا هيئة المواصفات والمقاييس توضيحاً مصحوباً بنتيجتي فحص لعينات من مياه الشرب، أكدت أن الأولى ورد بها خطأ مطبعي في ما يختص بتركيز مادة الصوديوم.. بينما أوضحت أن بقية النتائج في الفحص صحيحة، فيما خلص الفحص الثاني إلى أن عينة المياه (غير) مطابقة للمواصفة. وقد نشرنا أمس توضيح هيئة المواصفات، فيما سننشر رد إدارة إعلام هيئة المياه خلال اليومين القادمين، وأود أن أشيد بإعلام هيئة المياه الذي ظل نشطاً ومثابراً ومؤدباً مع الصحف، وليس كإدارات ومؤسسات أخرى أو أفراد، يهرولون ناحية نيابة الصحافة والمطبوعات، ويشرعون في فتح البلاغات، سواء كان الموضوع يستحق تحرير بلاغ، أو لا يستحق، ومن بعد ذلك هل (يستاهل) أن يذهب إلى المحكمة أم لا يستاهل، وهذه تقديرات النيابة في كل الأحوال. { ملف مياه الشرب، هو ملف (فني) و(علمي) في المقام الأول، ولهذا لجأت المحققة «إنعام» إلى الجهات ذات الاختصاص في هذا المجال، ولابد لي أن أشيد بجهدها المقدر، حيث أنجزت مادة صحفية علمية من أفضل ما قرأت في الصحافة السودانية خلال السنوات الأخيرة. وفي التحقيق أكد خبراء جيولوجيا أن الحوض العلوي للمياه الجوفية (ملوث) في عدة مناطق بولاية الخرطوم وأنه يختلط بمياه «السايفونات» ولهذا تم إغلاقه في بعض المناطق. { أما تلوث مياه النيل، فهذا مما لا يحتاج إلى معامل حديثة فائقة القدرات، ويكفي ما نشرته الصحف خلال العام المنصرم عن ضبط مواطنين بأحياء أم درمان والثورة لكائنات حية عبرت المحطات، ومرّت بالشبكات، ووصلت صنابير المياه داخل المطابخ، بالمنازل مثل «الصارقيل». { وما يجده عاملو صيانة الشبكات عند انفجارها، داخل «المواسير» الكبيرة، يكفي وحده، إذا شهدوا لإدارة الهيئة (في جلسات مكاشفة ومتابعة خاصة بهم) بعيداً عن الإعلام والمواطنين. { وعندما ننشر نحن في (الأهرام اليوم) تحقيقاً عن مياه الشرب.. هل هي ملوثة أم لا، فإننا بالتأكيد لا نقصد الإثارة، أو تخويف المواطنين، أو التقليل من جهد هيئة المياه، ولكننا نسعى لدق ناقوس الخطر، وتنبيه الجهات العليا في الدولة لإيلاء ملف المياه المزيد من العناية والاهتمام، وضخ المزيد من الأموال لصالح زيادة الإمداد وتنقية المياه، حتى نبلغ حد المواصفات الأوربية في هذا المجال. لماذا لا يصبح هدفنا دائماً بلوغ حد الجودة في كل شيء.. في مواصفات المياه.. والخبز.. وخلو الخضروات والفواكه من الأثر المتبقي للمبيدات القاتلة.. والسلع والأدوية التي كادت صلاحيتها تنتهي.. فقد تجد أدوية بالصيدليات قد تبقت لمدة صلاحيتها أسابيع فقط، فتتمسك الشركات بأنها مازالت صالحة، رغم أن الجميع يعلمون ظروف (التخزين) السيئة للأدوية في بلادنا، الشيء الذي يؤثر في تقصير مدة الصلاحية، فإذا كان عقار صيدلاني ما صالحاً للاستعمال حتى نهاية مايو الجاري، فإن ذلك قد يناسب الحال في دولة مثل «سويسرا»، أو «ألمانيا»، ولكن حال المخازن البائسة والترحيل السيء في بلادنا يجعل ذات العقار متأثّراً بالطقس والبيئة الحافظة، فلا يصبح صالحاً ومفيداً بنهاية مارس الماضي.. دعك من مايو!! وملف المحاليل الوريديّة الشهير التي تهتّكت عبواتها وتسرّبت إليها البكتريا، ملف شهير ومعروف. { إذن نحن نحتاج إلى المزيد من التدقيق والبحث والمتابعة لحالة مياه الشرب في الخرطوم وبقية الولايات كل يوم. ويجب أن يتم البحث بشفافية مطلقة داخل المؤسّسات المختصة، لأن الهدف هو صحة المواطن، وليس (تغطية) الأخطاء، ولملمة العيوب، والتجاوز عن التقصير في صحة المواطن. { ولابد من التنسيق (اليومي) بين هيئة المواصفات وهيئة المياه، وخبراء الجيولوجيا، والمعامل الأخرى، لأن الهدف هو الحفاظ على صحة الإنسان السوداني بعيداً عن مصالح المؤسسات والأفراد.