يبدو أن الارتياب في مقدراتنا السياسية والفكرية تجلى إثر تعثُّرنا في إيجاد حلول ناجعة وعاجلة لسلسلة قضايانا العظمى عن طريق الحوار.. ويبدو أكثر أن الغرب يرنو خلف منظاره المركّب للانتصار بحذاقته في توسيع مدى الصراعات والنزاعات في قلب إفريقيا.. بعد أن عبث وفق مخططاته الشيطانية بمنطقة الشرق الأوسط.. وأسقط بجبروته وقطرسته معاول القوة والدفاع هناك.. وقبلها مزّق نسيج القبائل الأزلي في بورندي ورواندا في سلسلة ما يُعرف بإبادة الأجناس التي إرتأى أنها تتنامى وتستمر وتتعمق، فنفخ بحقد أعمى فوهة الآلة العسكرية في الصومال ليتولى شعبها الفقير حصاد أرواحه وتدمير إمكانياته الاقتصادية وقوته الروحية المتمثلة في الإسلام نفسه بدون هوادة. إذن.. المعضلة تكمن في تبعثُّر الجهد الجماعي لأهل المنطقة والذي يتكفل ببلورة الرؤية الواحدة لأداء المهمة التي تعمِّق الأثر الفعلي لهذا الجهد، وتأتي بنتائج لايرغبها مهندسو السياسة في الغرب وأعوانهم. وسحائب التفرقة والانشطار التي تلوح الآن في الأفق السوداني تُنذر بعاصفة قادمة لامحالة.. لذا فالأمر قد استفحل فلابد من الأذعان للرأي الجماعي الذي يؤدي لتنشيط مفهوم الالتزام والجدية للحفاظ على هوية الوطن والتصدي لسيل المؤامرات المتوالية التي تهدف إلى تمزيق نسيجنا الاجتماعي، ليدب بيننا الخلاف.. ويعقبه التشريد والقتل.. وتفكيك أذرع الدولة. مثل هذه المواقف والأزمات التي تكتنف الشارع السياسي السوداني وتصنع ضبابية قاتمة، يجب أن يتدارك القادة الأمر وأن يلجأوا لفكر الحوار الداخلي.. وأن نجعل الحوار استثنائياً شاملاً.. فمعيننا لم ينضب بعد.. والعقلاء كُثر فلابد من دمجهم في صياغة مبدأ العمل المحايد لإنجاح عمليات السلام المتعثرة، رجال الدولة وجموع الحركات المسلحة وقادة الأحزاب والمفكرين السياسيين والقادة العكسريين وعلماء الدين والاجتماع، السودان يرنو إليهم الآن لإنقاذه من براثن قوى الاستكبار والهيمنة.. بهم يمكن تكوين جبهة حوار موسّعة ذات صيغة محايدة تعمل على تشريح مشكلة دارفور تشريحاً تغلب عليه الروح الوطنية التي تضع أهمية الوطن والمواطن في أي رقعة من ترابه على قمة أولوياتها.. فالوقت قد أزِف لمواجهة تقرير المصير.. ونخشى أن ينشطر جنوب السودان عن جسم الوطن.. ويحوِّل بالتالي الغرب آلياته السياسية والعسكرية والتآمرية لأرض دارفور الشاسعة والتي تفوق مساحتها أرض مصر بقليل .. وتنام في باطنها كنوز الأرض المعدنية.. والتي تشكِّل ينبوع ثروة يسيل لها لُعاب الغرب وحلفائه.. يجب أن نُدرك خطواتنا المتعثرة وأفكارنا الجانحة التي لم تتبنَّ على الأطلاق مبدأ العمل المشترك للدفاع عن نهجنا الإسلامي أولاً وحماية الوطن ثانياً.. إميركا عندما شرعت في غزو بغداد اصطحبت معها جميع دول الاستكبار ببوارجها وأساطيلها المدمرة.. وأسلحتها الفتاكة العنقودية وعقول رجالها الشيطانية المدبرة.. في أشنع حملة ضد الإسلام والمسلمين في هذا العصر.. فإذا كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية بقوتها العسكرية الحاشدة.. تنشد الالتحام الموحّد لشل المقدرات الحربية للجيش العراقي المحاصر سنين عددا واستنفدت أسلحته صلاحية دورانها أمام تكنولوجيا الغرب المتطورة، فما بالنا لا نأخذ العبرة من هذا المسلك العالمي الذي أضحى يشكِّل خطراً وهاجساً للجميع، (ونلملم) شمل أشلائنا المبعثرة.. ونجعل الحوار الذي ينطلق من قاعدة الثقة بين الأطراف مطية لإدراك الوحدة التي اكتنفها الارتياب.. وننقذ ما تبقى من هذا الواقع المأزوم. أدركوا دارفور قبل فوات الأوان.. فإننا نتوجس أن يأتي زمن قريب نعض فيه بنان الندم ونذرف دمعاً حاراً لمغبة النتائج التي تفرزها أخطائنا التي لم نعبأ بخطورة ولادتها والقضاء عليها في مهدها! المسألة الآن تخطت الحوار الدارفوري الدارفوري لأن المعضلة قد تعاظمت من حيث البُعد السياسي والاجتماعي لإقليم تتعدد قبائله وموروثاته واعتقاداته. عمليات التفاوض للخروج من الأزمة في اعتقادي يجب أن يُشرع لها باب التداول والحوار واسعاً هنا في داخل الوطن لإجماع أهله ومفكريه والحادبين على معالجة قضاياه على سبر أغوار هذه المشكلة وتفويت الفرصة على أي أيادٍ خارجية تحاول إشعال الفتنة، ومن المفترض أن يكون هذا الوطن السودان الذي تنبّأ المحللون الاقتصاديون قبل عدة سنين بأنه المعين الأكثر نفعاً لإمداد العالم بالغذاء.. أن يكون ملاذ الآخرين لمعالجة مشاكلهم السياسية والاقتصادية.. وليس العكس. بلد أنجبت في وقت صبيح الأمام محمد أحمد المهدي وإسماعيل الأزهري ومحمد أحمد المحجوب لايخلو (جرابها) من رجال أمثال هؤلاء لإدارة أزماته. الأقطار المجاورة والصديقة لها التقدير والتجلّة لما تقوم به من مبادرات توفيقية لها صيغة الأخاء الغرض منها تآلف وجهات النظر بين الفرقاء المتحاربين.. داخل الوطن الواحد ومعتنقي الدين الواحد.. إلا أن تفعيل الحلول والمعالجات لمثل هذه الأزمات المتشعّبة تتطلب حالة استنفار قصوى لكل القوى السياسية والفكرية والحزب الحاكم للجلوس أرضاً واغتنام الوقت والفرصة معاً قبل أن يأتي يوماً (لاينفع فيه بيع ولا خِلال) .. فنحن مسلمين والمسلم يتميّز بالفطنة والحكمة لمعالجة مشاكله.. أسرعوا بمباشرة الحوار السوداني السوداني لإنجاح مفاوضات أزمة دارفور.