الكسرة السودانية من أنواع الخبز الشعبي والمحبوب لدى معظم أفراد الشعب، ويرجع تاريخها لعهد بعيد وبها عُرفت مائدة السودان في الكثير من دول العالم وكانت في السابق وجبة رئيسة. ويلاحظ تراجع الاهتمام بها وعدم تسيُّدها المائدة بالعاصمة والولايات. فلماذا اختفت بعض الشيء من (الصينية) السودانية العريقة؟.. الحاجة حليمة إدريس بمنطقة جبيل الطينة بأم درمان استنطقتها (الأهرام اليوم) بعد مارأتها ومنذ الثامنة صباحاً تتجه لتحضير الكسرة لأسرتها الكريمة، وقالت إن الكسرة تُسمى (الرهيفة) ولم تتغير طريقة إعدادها منذ قرون خلت ولكن الذي حدث هو توفر الخبز (الرغيف) بأشكال مختلفة بعد أن كان نادراً. وأضافت أن أي بيت سوداني لا توجد فيه كسرة يعتبر ناقصاً، وأوضحت لنا أنها تمكنت من عمل الكسرة وعمرها 9 سنوات وأشارت إلى أن تعلُّمها لم يكن إجبارياً بل كان عادة في البيوت السودانية حيث تسعى كل فتاة لتعلُّمها منذ الصغر. وأبانت أنها في السابق تؤكل في الثلاث وجبات حتى (وجبة السحور) في رمضان خاصة في بعض مناطق السودان (الجزيرة، ودارفور) مضيفة أنها الغذاء الرئيس للكبار والصغار ولم يكونوا عرضة لأمراض الآن ارتبطت بها، مردفة أن الكسرة لم تكن مرتبطة بالملاح المفروك فقط مثل الآن كالبامية والخضرة والتقلية، بل كانت تُقدم مع الدمعة والطبائخ الأخرى وبالسكر. وحتى في الأعياد والمناسبات تؤكل مع المرارة والشية والشطة، مؤكدة أنها أساسية مع الوجبة وواجب يجب عمله وتقديمه للجيران والأقارب في الأفراح والأتراح. وعن كيفية صناعة الكسرة أوضحت لنا الحاجة فاطمة الأمين من الثورة أن أنواع عديدة من الذرة تستخدم في عمل الكسرة السودانية ومنها (الفتريتة - الهجين الصفراء، ود عكر، والفحل، والزريزيرة). وقالت إنه يُضاف القليل من القمح لدقيق الكسرة، مشيرة إلى أن بعض الناس يفضلونها دون إضافة. وشرحت لنا طريقة عملها والتي تبدأ بتخمير الدقيق ليلاً في إناء مُغلق وعند الصباح تتم إضافة باقي الدقيق له ويُعجن ويتم تخفيضه حتى يصبح متماسكاً وجاهزاً لعمل الكسرة. وقالت إن صُنعها يُسمى (العواسة) والمرأة أو الفتاة التي تجيدها يُقال لها (عوّاسة). وأبانت لنا أن (العواسة) هي صب قليل من العجين على الصاج والذي يوضع على نار هادئة من الفحم على الكانون. وأوضحت قديماً كانت تستعمل للعواسة (الدوكة) المصنوعة من الفخار على شكل مسطّح وهي مرتبطة (باللداية) وهي ثلاث كتل من الطين الجاف والتي توضع عليها على الأرض ويدخل الحطب من الجنبات. وذكرت أن صاج العواسة غالباً ما يُمسح بالزيت أو (الطايوق) وهو مادة (النخاع الشوكي) ذلك بأنه يساعد على سهولة العواسة وقلع الكسرة بسرعة لكي لا تلتصق بالصاج وتحرق. مضيفة بعدها توضع الكسرة متراصة (طرقة فوق طرقة) على الطبق أي واحدة تلو الأخرى والطبق هو عبارة عن إناء من الزعف وشكله دائري مسطح مُحْكم ويمكن أن تحفظ فيه لعدة أيام. أما حواء عبد الله بائعة الكسرة فتقول: إنها تعتبرها هواية وتجيدها لدرجة أنها اعتمدت عليها كمصدر للرزق تساعدها في تربية أبنائها وترى أن عمل الكسرة مكلّف هذه الأيام لغلاء الدقيق ولكنها تحمد الله أن هنالك إقبالاً كبيراً من المواطنين الذين هجروا صناعتها في المنازل مع تطور الزمن وعدم توفر وقت لكثير من النساء خاصة العاملات، مشيرة إلى أن بعض الأجانب يأتون لشرائها كثيراً.. وأبانت إختصاصية التغذية منى محمد فائدة الكسرة لاحتوائها على العديد من الكربوهيدرات والنشويات والسكريات وبعض الفايتمينات التي توجد بكثرة في كسرة الفتريتة الحمراء والتي يوصى الأطباء وإختصاصيي التغذية بعدم تناولها لدى مرضى الضغط والسكري والقولون ويفضّل لهم كسرة الزريزيرة البيضاء وأضافت أن الكسرة بملاح (الشرموط) مع البصل والطماطم والزيت يمد الجسم بالغذاء بجانب أنها غذاء رئيس للأطفال خاصة المصابين بأمراض (الكواش) وسوء التغذية الذين نرشدهم دائماً بتناول الكسرة السودانية.