تبقت أقل من (7) أشهر على إجراء استفتاء جنوب السودان في الأول من يناير المقبل دون أن تسمّي الحكومة مفوضيتها لإدارة العملية، مما يعد تحدياً يضاف إلى حزمة تحديات تأتي في مقدمتها تحذيرات الأممالمتحدة بتدحرج الولاياتالجنوبية نحو هاوية المجاعة، بالإضافة إلى المخاوف من تدخل الجيش الشعبي في عملية الاستفتاء، بشكل يضيع معه حق المواطن الجنوبي في اختيار وجهته ما بين العيش متنقلاً بحرية بين الشمال والجنوب أو حزم حقائبه ومغادرة دولة أقل ما تطلبه وثيقة بقاء وجواز سفر يتيح له الدخول إلى أرض نشأ وترعرع فيها، وكانت له فيها ذكريات. تجاوزات الجيش الشعبي وقبل أن يسمّي رئيس الجمهورية المشير عمر البشير قيادة مفوضية الاستفتاء برزت بصورة واضحة مخاوف من تغوّل الجيش الشعبي على عملية الاستفتاء في الولاياتالجنوبية والتأثير على نتائج الاستفتاء على النحو الذى يريد بعيداً عن رغبات وخيارات أهل الجنوب، الأمر الذي دفع الحركة الشعبية إلى التأكيد بأنها تقدمت إلى المؤتمر الوطني بمقترح بإحالة ملف الاستفتاء لجنوب السودان وأبيي إلى الأممالمتحدة لإدارته. وكشف وزير الخارجية، القيادي بالحركة الشعبية دينق ألور في تصريحات صحفية الجمعة الماضية عن خلاف بينهما الحركة والوطني حول تأمين عملية الاستفتاء لإفساح الطريق أمام المواطن الجنوبي ليقول كلمته واتجاهه دونما حجر أو تقييد من أيّة جهة كانت. وقال: رأينا أن يتم تأمين الاستفتاء من قبل شرطة الجنوب والمخابرات الوطنية في الجنوب بجانب الشرطة القومية والأمن القومي في الشمال ولكن يبدو أن (الوطني) لا يقبل بذلك. وأضاف أنه يريد الالتفاف على قانون أبيي. وكانت تسعة من الأحزب الجنوبية طعنت في نزاهة وصدق الحركة الشعبية وجيشها الشعبي في ما يتعلق بإدارة العملية الانتخابية التي جرت مؤخراً، وأكدت أحزاب: “المنبر الديمقراطي لجنوب السودان، جبهة الإنقاذ الديمقراطية المتحدة، الحركة الشعبية لتحرير السودان، التغيير الديمقراطي، الحزب الديمقراطي المتحد، الجبهة اليمقراطية المتحدة، حزب العمل القومى السوداني، الجبهة الديمقراطية لجنوب السودان، وحزب سانو ويوساب” بعد 24 ساعة من إعلان المفوضية القومية للانتخابات لنتائج العملية في السابع والعشرين من أبريل الماضي، أن النتائج في ما يتعلق بجنوب السودان غير مقبولة لديهم، لأنها لم تكن حرة ونزيهة لأن الجيش الشعبي الجناح العسكري للحركة الشعبية قام بادارتها وتزويرها، وأن التجاوزات بلغت حد التدخل بواسطة وزراء ومحافظي الحركة الشعبية فى عملية الاقتراع وتهديد وتخويف واعتقال الناخبين بواسطة الجيش الشعبى وإجبارهم على التصويت للحركة الشعبية لتحرير السودان والسيطرة على صناديق الاقتراع واعتقال وسوء معاملة وكلاء الأحزاب السياسية الأخرى واعتقال ضباط الانتخابات من قبل محافظي الحركة الشعبية وتورط بعض ضباط الانتخابات فى عمليات التزوير وفتح النار على الناخبين، وأن مفوضية الانتخابات اكتفت بدور المتفرج. موقف انسجم وتأكيدات أمين أمانة بحر الغزال الكبرى بالمؤتمر الوطني، الأسقف قبريال روريج، بأن الوضع في الولاياتالجنوبية لن تستطيع معه مفوضية الاستفتاء فعل شيء، وقال إن مفوضية الانتخابات عجزت عن منع تجاوزات العملية الانتخابية قبل أن يشير إلى تأخر تشكيل مفوضية الاستفتاء وأن ما تبقى من وقت لن ينجح معه إلا العمل السياسي لتحقيق الوحدة. وقطع رئيس الحركة الشعبية التغيير الديمقراطي د. لام أكول أجاوين في حديثه ل(الأهرام اليوم) أن التزوير والتجاوزات التي صاحبت العملية الانتخابية بالجنوب من قبل الحركة الشعبية مدعاة لحدوث تزوير في الاستفتاء في الولاياتالجنوبية، وقال: الحركة التي زوّرت الانتخابات ستزوّر الاستفتاء، وتساءل: التزوير جاء بسلفاكير رئيساً للجنوب فكيف يشرف على الاستفتاء بصدق وشفافية ونزاهة؟ وأضاف في ظل هذا فإن نتائج الاستفتاء في الجنوب ستمثل رأي الحركة وليس شعب الجنوب. ورأى د. لام أكول أن معالجة الأمر لن تكون إلا بإدانة ورفض نتائج انتخابات الجنوب وتصحيح المسار بإعادة الانتخابات لجهة الإتيان بحكومة يختارها الجنوبيون تدير الاستفتاء بصدق. شبح المجاعة يطارد الجنوب هذا ولم تمضِ أربعة أيام على تأكيدات وزارة الشؤون الإنسانية السودانية بأن 40% من سكان جنوب السودان يواجهون خطر المجاعة بسبب أعمال العنف التى شهدتها المنطقة مؤخراً وفشل الموسم الزارعى للعام الماضي. حتى أعربت الأممالمتحدة عن قلقها بشأن تصاعد العنف القبلي ونقص الغذاء وذلك في مستهل جولة في الجنوب، مشيرةً إلى أن مليون ونصف المليون شخص بالجنوب يتهددهم شبح المجاعة وبحاجة إلى مساعدات غذائية عاجلة، ووصفت الأوضاع الإنسانية في جنوب السودان بالمتدهورة. وأكد عبد الباقى الجيلانى وزير الدولة بالشؤون الإنسانية فى تصريحات صحفية 25/ مايو الماضي أن زيادة أعمال العنف وتأخر موسم الخريف الذى تسقط فيه الأمطار ساهما بشكل رئيس فى إحداث المجاعة بالجنوب السوداني، إضافة إلى الهجمات المستمرة من جيش الرب الأوغندى التى تعوق استثمارات الزراعة فى المنطقة. وقال مساعد الأمين العام للشؤون الإنسانية في الأممالمتحدة جون هولمز عقب زيارته مركزاًً لتقديم الطعام تديره منظمة “وورلد فيجين” الأمريكية، للصحفيين أمس الجمعة 28/مايو الجاري، قال إن “نقص الغذاء وانعدام الأمن المستمر في جنوب السودان يؤدي الى تدهور الوضع الإنساني بسرعة”، وأكد أنه “اذا لم تتم معالجة هذه الأزمة الإنسانية في جنوب السودان فإنها قد تعيق المرحلة الأخيرة من عملية السلام”. وتقدر الأممالمتحدة أن ربع سكان الواراب يعانون من سوء التغذية الحاد مقارنة مع 15% من كافة سكان جنوب السودان. وتؤكد تقارير المنظمات الإقليمية أن أكثر 2500 شخص لقوا مصرعهم في اشتباكات قبلية في جنوب السودان خلال العام الماضي، واندلعت موجة جديدة من القتال في ولاية جونقلي بجنوب السودان بين جيش جنوب السودان وقوات موالية للجنرال السابق جورج أطور في وقت تجددت فيه الاشتباكات بين الجيش الشعبي ومليشيات القائد قلواك قاى بولاية الوحدة. ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري د. إبراهيم ميرغني أن (أكبر) مهددات الاستفتاء في الجنوب تسييسه وتعامل الحركة الشعبية معه على أساس أنه قضية حكم تريد أن تبسط عن طريقه سيطرتها على الجنوب بعيداً عن حق المواطن الجنوبي، بالإضافة إلى موجات العنف القبلي التي تعاني منها الولاياتالجنوبية والأوضاع الإنسانية تعد من مهددات إجرائه، لكنه نبّه إلى أنه كثيراً ما تستغل تلك القضايا سياسياً للحصول على مكاسب وتنازلات. وقال د. إبراهيم يجب النظر إلى الاستفتاء على أساس أنه حق لأهل الجنوب، وشدد على ضرورة حسم عدد من القضايا في مقدمتها مسألة ترسيم الحدود، وعلّق: يجب أن تكون الرؤية واضحة للطرفين منذ البداية سواء جاء الانفصال أو الوحدة. وبحسب مراقبين فإن شهوراً تفصلنا وأخطر مرحلة تواجهها البلاد منذ استقلالها 1/1/1956م، مرحلة ربما يُعاد فيها تقسيم وطن تقارب مساحته المليون ميل مربع، أو يرتضى أطرافه العيش في كنفه واحداً موحّداً تتساوى فيه الحقوق والواجبات لا حاجة لهم فيه لوثائق أو مستندات لإثبات هوياتهم.