على إيقاع مختل وتوقيت غير منتظم التفاصيل تباغتنا (هارموني) بالحضور والغياب كل مرة..! وقد حجزت منذ أن خرجت لنفسها مقعداً في الفضاء المتاح للبث ومكاناً جميلاً في قلوبنا، حيث أدخلت فيها الفرح بالحضور المباشر في منافسات الفضاء المفتوح على هواء كل الثقافات والملامح.. ومنحتنا أملاً جديداً في نقل الوجه الآخر للثقافة السودانية الواسعة كما أمياله المربعة، وبلا تحيز سياسي أو انحياز عرقي.. ثمّ وبسابق إنذار خرجت من النصّ لتعود بعد حين وبعذر يشبه اللّوم بأن الانقطاع كان بسبب التمويل ! لتنقطع مرة أخرى ثمّ تعود ثمّ تفقد معظم جمهورها المتابع الذي وجد في قنوات أخرى ضالته في الترفيه. (هارموني) كانت بمثابة أول غيث لقطرات القنوات السودانية المتزايدة (زول، الشروق، الأمل وقوون) وستزداد القائمة بإذن الله بقناتيْن جديدتين قادمتين! ورغم هذا السبق والفتح (لهارموني) إلا أنها لم تحفظ مكانتها ولا حقوقها بفوضى ترتيبها للداخل الذي يعني إدارتها بشكل مباشر «الإدارة الداخلية» بجانب التمويل الواضح ضعفه في إنتاج البرامج ومستوى المنتجين للبرامج والمذيعين والمخرجين، بل وحتى الضيوف والفنانين، وهو أمر يفضح - وبشكل مباشر أيضاً - المستوى الفكري لتلك الإدارة في مدى تخطيطها لتسيير برامجها وما يتبعها. وبغض النظر عن كل النقد الساخر والجارح الذي تعرضت له كقناة فتحت ذراعيها في الفضاء بدون دراية ولم تحتضن سوى الهواء الخالي من أكسجين الربح الذي يدخل رئة العمل الإعلامي فيجعله يتنفس بشكل منتظم وطبيعي.. الشيء الذي انعكس سلباً علينا كجمهور لا يفقه من علم الفضاء وعمليات البث إلا كيفية تحكمه في أزرار «الريموت كنترول» التي تتيح له خيار أن يضغط عليها ليثبت في عينيه صورة سودانية مختلفة عن القناة الرسمية الناطقة باسم الدولة.. فيفرح للأغنيات والملامح والتراث وحتى البنات السودانيات الصفات.. فحولنا ذلك إلى وحوش تزمجر بالتعليقات والانتقادات وتتحول انعطافاً على قنوات أخرى موجودة في تمام كل الساعات ومتى ما ضغطنا على زرها.. وذلك الجو السلبي بلا شك تحول بسلبيته على (هارموني) فغيّر مستوى إعلاناتها وإنتاجها للبرامج من سيئ إلى أسوأ، فصرنا نسمع (رمضان كريم) و(كل سنة وانتو طيبين بمناسبة عيد الأضحى المبارك) وكأننا نشاهد «فيديو» منزلياً نعيده كلما اشتقنا لمناسبة تصويره..! والتصور الأولي الذي صدّرته قناة الشروق الفضائية للأذهان عند نزولها أرض فضاء البث أنها تمتلك ميزانية ضخمة ومفتوحة كما فضاء بثها، ورغم الإخبارية التي تميزت بها وتحيزت بها للدولة وعرّفها بأنها القناة الخاصة لها،إلا أن إنتاجها المتميز لبرامج جماهيرية أخرى وثقافية بالضرورة بجانب احترافية مخرجيها ومذيعيها منحها ثقة المشاهد السوداني الذي ملّ قراءات الأخبار الخاصة لدواوين الحكومة! أما قناة (زول) فلا ينقصها من التردد المتذبذب الشهيرة به (هارموني) إلا تميزها المختلف بثقافة أخرى تماماً وبإنتاج برامج يشبه إلى حد بعيد مصانع الصابون البيتية التي تضر البيئة الداخلية بسالب غازاتها، ولا تدخل لصاحبها المال اللازم لعلاج ذاك الضرر، وتجر عليه البغضاء من الجيران وربما أهل البيت ذاته!! مع احترامي التام للصناعات الصغيرة. أما قناة الأمل التي بدأت بفرد أشرعتها على الفضاء الذي يسع الجميع، ثم - ولأسباب نُشر في الصحف أنها شخصية جداً - توقفت عن البث التجريبي.. لتعود بالوعد أن تنساب البرامج مرة أخرى! والمراقبون وأهل الخبرة يتوقعون من تباشير إنتاج برامجها التي لا تختلف عن هارموني - وهي القفز بالكاميرات والمذيعين على البرامج المعدة أصلاً كالمنتديات أو الحفلات، وتسجيلها لتصبح سهرة أو تغطية بمخرج ومذيع وإعداد - أن تحفل بذات المسيرة الهارمونية! أما قناة (قوون) وبذكاء ناضج جداً اختارت أن تتسيد الميادين الرياضية بكافة المشجعين والإداريين والاتحادات واللاعبين والجماهير التي لا تعرف الملل من متابعة المستديرة بكل أشكالها وأنواعها وبكامل مرفقاتها ومرافقيها.. دعك من الذكاء الإعلاني الذي بدأت به ليضمن على الأقل استمرار شهور بثها التجريبي ولتخطط - ونعرف - من بعده ماذا سيحدث؟ ما حدث من شأن (هارموني) أنها لم تنتبه أن دفاتر الحضور والغياب الفضائي لا تعرف الأرانيك السببية ولا تعترف بقناة تمشي وتجيء، ولو كانت عودتها بسلامة برامجية، فلن يبقى أمام بثها المتقطع سوى الملامة..