{ مضحكٌ أن يقول المطرب الشاب «طه سليمان» إن أغنية (سنتر الخرطوم).. كلام.. يا كلام.. يا «عوض دكام».. هي أغنية (سياسية)..!! جاء هذا في ثنايا سهرة على شاشة قناة «النيل الأزرق» تابعتُ جانباً منها، واهتممت بآراء الأخ الأستاذ «مؤمن الغالي» المتطرّفة ضد (حقيبة الفن)، ورؤية الأستاذة «أم وضاح» الكاتبة ب «الأهرام اليوم» المساندة والمشجعة لتجربة المطربين الشباب، باعتبار أن لكل جيل ثقافته وذوقه المختلف عن أذواق أجيال سابقة.. { ولا شك أن الحكم على (حقيبة الفن) وهي أساس ومرجعية الغناء الحديث في بلادنا، بأنها - بكاملها - لا ترقى للفن، وأنها مجرد كلمات (حسيّة) تصف وتشف جسد المرأة، هو حكم غليظ جانبه الصواب، فكما قال الشاعر الرقيق الأستاذ «التيجاني حاج موسى» في ذات الحلقة (لا يمكن الحكم على أي عمل جمالي حكماً مطلقاً له أو عليه).. أو كما قال.. { فأنا - مثلاً - من جيل شاب، جاء إلى الحياة بعد عقود أعقبت زمن (الحقيبة)، لكنني، شأن كثير من أبناء ذات الجيل، أسمع بل استمتع بأغاني الحقيبة، ولم يداخلني شعور يوماً بأنها أشعار تخدش الحياء العام.. قياساً إلى أي «فيديو كليب» أو مشهد درامي بأية فضائية عربية أو غربية..!! { كما أن ترديد الفنانين الشباب لأغنيات تلك الفترة، جدّدها، وأحياها، ومنحها عمراً اضافياً، وأضفى عليها مسحة من حداثة، ونفحة من تطريب يواكب ذوق الأجيال الحديثة.. { غير أن الدفاع عن تجارب المطربين الشباب - على إطلاقها - بحجة أن أبناء وبنات هذا الجيل (عايزين كدا والما عاجبو يخليهو..) وأن ذائقة هذا الجيل تفضّل (سنتر الخرطوم)، على ما عداها، فيه إجحاف بل إساءة بالغة لهذا الجيل.. { القول بأن أغنيات هابطة مثل (سنتر الخرطوم)، و(البنسلين يا تمرجي..).. و(أضربني بمسدسك أملاني رصاص..) تمثل غالب رغبات الشباب وميولهم الفنية، هو قول مجافٍ للحقيقة، فإذا أقبل البعض على هذه الكلمات (الركيكة)، (غير) المتسقة معنىً، ومبنىً، تجاوباً مع الألحان الراقصة الخفيفة، فهذا شهادة لصالح ألحان قديمة ومسموعة، وليس - بالتأكيد - شهادة لصالح كلمات جمهرة (السمكرجيّة) الجدد الذي يتوهمون أنهم شعراء، بل شعراء (مُسيّسون).. ويا سبحان الله..!! ما علاقة السياسة بطبيب الأسنان الراحل.. الظريف «عوض دكام»؟! رحمه الله.. وتقبله.. قبولاً حسنا. { وقد سألت أحد الشباب في مناسبة اجتماعية، بعد أن رأيته يتجاوب مع لحن (سنتر الخرطوم)، فقلت له: (العاجبك شنو في الأغنية دي؟!)، فرد بسرعة: (أحياناً الواحد محتاج يخستك شوية)..!! { و(الخستكة) تعني العبثيّة، والخروج عن المألوف، ولا شك أنها مصطلح شعبي (جديد) يخالف كل ما هو جميل، وجاد، وبالتالي فهو مخالف للإبداع.. { إذن الشباب يعتبرون هذا الضرب من الغناء الهابط مجرد (خستكة) لتزجية الوقت في الحفلات، لكنهم لا يرددونه عندما يخلون إلى أنفسهم وينفض السامر.. وتعود أجهزة «الساوند» على سطح حافلات العازفين!! { حمانا الله وإياكم.. وحمى شبابنا من (الخستكة).. وجعل أيامنا عامرةً بالجمال.. ذاخرة بالفرح.. { وجمعة مباركة.