نهار الخميس الماضي كنت مع السيد الإمام أحمد عبد الرحمن المهدي في بيته بالملازمين وكان من أغراض الزيارة اقتناعي بضرورة أن يكون هناك كتاب شامل معتبر عن الإمام المهدي بطل الاستقلال الأول الذي تحقّق في 26 يناير 1885م. فالذي يريد أن يلم أكثر بسيرة هذا القائد الفذ مضطر إلى أن يقرأها من كتاب. ورحّب السيد الإمام بالفكرة ووعد بتقديم كل ما هو مُتاح من معلومات ومصادر. وفجأة قال لي السيد أحمد عبد الرحمن المهدي: (ذو النون أخباره شنو)؟ قلت: ليست على ما يرام فقد أُبعد من الإذاعة الطبية التي كان مديرها وأحد مؤسسيها. وقال لي السيد الإمام أحمد: (خليه يجيني). ولما عدتُ إلى البيت بدأت أدير رقم «ذو» النون ولكن (مفيش فايدة). وتذكرت أن له رقماً آخر لكنه ضاع مني، فاتصلت قبل منتصف الليل على صديقه وزميله عمر الجزلي وأعطاني الرقم، لكن التلفون كان مغلقاً وفي صباح الجمعة أعدت الاتصال ليرد ابنه زياد قائلاً إن والده بمستشفى أحمد قاسم. ونقلت له رسالة السيد الإمام أحمد عبد الرحمن المهدي وقال: إنه سوف يتصل عليه. ثم بعد دقائق اتصل عليَّ ابنه ليقول إن والده توفى وقبلي كان الابن زياد أبلغ الخبر الحزين للسيد الإمام. لا حول ولا قوة إلا بالله «إنا لله وإنا إليه راجعون». لقد خدم ذو النون بشرى وطنه كأفضل ما تكون الخدمة من خلال الإذاعة، وكانت له اسهامات مقدرة في هذا الفن والعلم الساحر الجميل الخطير، أي العمل الإذاعي. وكانت له صولات وجولات، وربما كان أحد أشهر الحوارات في تاريخ الإذاعة السودانية ذلك الذي أجراه ذو النون مع المطربين الكبيرين وردي ومحمد الأمين والشاعر محجوب شريف بعد انقلاب هاشم العطا في 19 يوليو وقبل عودة نميري في 22 يوليو 1971م. وذو النون بشرى شاعر غنائي، وهو أحد خبراء الأغنية السودانية إن صح التعبير، ويعرف الكثير جداً عن معظم المطربين السودانيين منذ الكاشف، وعن عاداتهم وأسرارهم وعن قصص أغنياتهم.. والخ. ثم أحيل إلى التقاعد. نعم..إنها سنة الحياة أن يُحال المرء إلى التقاعد، لكن الأفيد لنا نحن المستمعين والمشاهدين في المقام الأول هو أن يستمر إنتاج أمثال «ذو» النون لننهل من عطائهم في أجهزة الإعلام فهم بعد التقاعد أكثر نضجاً وأكثر قيمة وأكثر فائدة للمتلقين، وللوطن عموماً. وفي ذات إشراقة من إشراقات حسين خوجلي عُيِّن ذو النون بشرى رئيساً لقسم المنوعات بجريدة ألوان، وكان يجمعنا ذو النون وأنا مكتب واحد وصفحة يومية كنا نحررها معاً وقد سماها ذو النون (زفة ألوان) وفي هذه الفترة أصبحنا صديقين وبعد فترة وجيزة من بداية هذه الصداقة تملكنا معاً شعور بأننا نعرف (بعض) منذ عشرات السنين.