في أحد نهارات عام 2004م شرّف المذيع المخضرم ذو النون بشرى بعد إحالته إلى المعاش جريدة (ألوان) رئيساً لأحد أقسامها. ومن الحظ السعيد أن ضمنا مكتب واحد إلى جانب الناقد الرياضي الراحل حسن مختار . وكان واضحاً أنهما مثقلان بالتجارب والمذيع (أي مذيع) يحقق شهرة واسعة بعد فترة وجيزة من اشتغاله بالإذاعة وزاد من شهرة «ذو» النون ندرة اسمه واقتداره كمذيع، ذلك الحوار الذي أجراه مع المطربين وردي ومحمد الأمين بعد انقلاب الرائد هاشم العطا في 19يوليو 1971م. وفي تلك الأيام العصيبة المتوترة كان هناك خط ساخن بين مدير الإذاعة محمد خوجلي صالحين وهاشم العطا قائد الانقلاب العسكري الذي أطاح بنميري وكان المتفق عليه أن يجري صالحين حواراً مع المطربين الكبيرين والشاعر الموهوب. وقد حضر الضيوف فعلاً إلى الإذاعة ودخلوا الأستديو .. وفي كل مرة يهم فيها الأستاذ صالحين بالتوجه للأستديو لإجراء الحوار يرن التلفون وعلى الجانب الآخر هاشم العطا. وفي تلك اللحظات دخل المذيع ذو النون بشرى مكتب المدير صالحين الذي كلّفه بإجراء الحوار الذي كان.. ثم كان ما كان فقد هبّ الشعب والجيش وهبّ نميري نفسه وهبّ آخرون من أمثال المقدم صلاح عبدالعال مبروك والوزير محمد إدريس محمود وسقط الانقلاب الشيوعي وعاد الرئيس نميري إلى الحكم بعد 72 ساعة أمضاها معتقلاً في القصر الجمهوري. وذهب الشاعر والمطربان والمذيع إلى السجن والمصادفة وحدها هي التي قادت ذو النون إلى السجن ولولا تلفونات هاشم العطا الكثيرة لكان مدير الإذاعة خوجلي صالحين هو الذي أجرى الحوار ولكان هو الذي ذهب إلى السجن. ثم خرجوا من السجن بعد فترة وعاد ذو النون إلى الإذاعة. ولقد أمضينا معاً أياماً مثمرة حرصت خلالها على أن أحصل منه على أكبر قدر من المعلومات الإذاعية والفنية وهو يعرف الكثير في هذين المجالين. ثم ترك ذو النون جريدة (ألوان) ليؤسس ويدير مع آخرين الإذاعة الطبية ثم أُبعد منها ليعتكف في منزله بحي المسالمة في أم درمان وهذه ليست شكوى ولكنه لفت نظر إلى الإذاعات والفضائيات الكثيرة كيف لا يلتفت أي منها إلى كنز إعلامي وخبرات متراكمة مجسّدة في مذيع متقاعد اسمه (ذو النون بشرى)!.