ويبدو أن زمان التغني بجمال صدر المرأة وبقية تقاسيمها فقط دون تفضيل الروح والذكاء، قد ولى - والحمد لله - إلى غير رجعة، لكن مازالت السيدات والآنسات يقفن في منتصف المسافة بين الجمال الشكلي له وبين الصحة التي تستبقيه كما خلقه الله دون تدخل كورتيزوني أو جراحي! فالإحراج المؤلم الذي يتسبب فيه تضخم صدر لفتاة أرادت بحسن نية تحسين مظهره لذات الفكرة الغنائية القديمة، لن تساويه كل المقاطع الشعرية ولو كتبها (البنا) وحتى (نزار قباني) - عليهما الرحمة - فالغباء الجمالي جعل كثيراً من السيدات والفتيات يلجأن إلى استخدام مواد طبية بحقنها في مناطق معينة بغرض تحسين وتكبير مظهرها الخارجي لتتلاءم واللون المتفتح والجسد الممتلئ بحبوب التسمين الشهيرة! فالصدر كواحد من المميزات الجمالية النسائية، الذي يزيد أو يقلل من ثقتها بأنوثتها بحسب رؤية الآخرين لها، هو كذلك واحد من المناطق في جسدها التي تميزت بنشاط الخلايا السرطانية فيها بجانب عنق الرحم، دونا عن غيرهما من المناطق في الجسم، وسبحان الله هي ذات المناطق التي تؤكد أنوثتها الحقيقية بتمييزها الخلقي لأمومتها الداخلية لا أنوثتها الجمالية الخارجية! وخارجياً تنشط الجمعيات والمنظمات واللجان الصحية بالتعاون مع القنوات والتلفزيونات والإذاعات المحلية في تعريف المرأة بالمرض وطرق فحصه المنزلي بنفسها وطرائق علاجه، حيث أن سرطان الثدي من أنواع السرطانات التي يمكن الشفاء التام منها بالعلاج أو الاستئصال الجراحي .. أما داخليا فإن مجرد الحديث عنه يغلق الآذان ويفتح الأفواه بالتمتمة (حمانا الله, ربنا يعافينا .. أو نسمع ونسلم). فالسلامة الاجتماعية تقتضي أن تغلق الأحاديث المنفّرة بالمرض والوقاية وتنفتح كل منافذ الحديث عن الكريمات ومراكز التجميل وسيدات التطريز وأماكن البيع بالأقساط الخ.. فالمرأة السودانية رغم النهضة التعليمية والسياسية والاقتصادية الكبيرة التي جعلتها في مصاف سيدات الدول المتقدمة إلا أنها نهضة محدودة بفئة معينة هي بلا شك فئة الأثرياء والأقوياء بالسلطة والصحة والعلم - من المقالات التي لا تنسى للدكتور (عبد اللطيف البوني) كتبها قبل سنوات عن فكرة تحول المجتمع السوداني إلى فئتين فئة السماح والنجاح والثراء وفئة الشناة والفشل والفقر ! - وبقية النساء فهنّ غارقات في محاولات الحصول على أجمل لون وأسمن جسم وأجهل عقل لا يعرف التفريق بين حقن تسمين العجول وهرمون الحليب للأبقار وبين الفحص المبكر لاكتشاف مرض سرطان الثدي. وإعلان مستمر في الفضائية المصرية تشارك فيه نجمات غناء وسينما مرتديات اللون الوردي المميز لحملات سرطان الثدي في العالم يجبنّ الشوارع في القرى البعيدة بعربات الفحص المبكر مع طبيبات فقط، وحيث أنها مناطق ريفية (الفلاحين والصعيد) - وهذا ما يعرف في علم الإعلان بمعرفة الطبيعة الثقافية والبيئية للمناطق المراد توجيه رسالة لها - يخبرنّ النساء عن المرض وأنه يمكن التعافي منه إذا اكتشف مبكراً في مراحله الأولى.. والإقبال الكبير الذي حظيت به هذه الحملة وما تمّ اكتشافه من حالات ادخر لجمهورية مصر العربية الكثير من الجنيهات التي تصرف لاحقا لتوفير الجرعة الإشعاعية. لا أظن أن هناك سيدة في العالم ترغب في قطع ثديها - مع أن الأمهات السودانيات يستخدمن هذا القطع كقسم يرغم الأبناء بعدم الزواج ممن تراها أقلّ منه! - ولا توجد سيدة ترغب في التعاطي مع الدواء الكيميائي الحارق لبصيلات الشعر في كافة أجزاء الجسم. إذن من باب السلامة والجمال أن نحاول معا خلق وعي جميل للسيدات في كافة مجالاتهنّ بالتدريب على كيفية المحافظة على الصحة، وألا ننجرف في هدر الأموال والأجسام للتهلكة التي تبدأ بتغيير الشكل الذي اختاره الله بما يتناسب مع الشكل والمضمون - ولا خيار أفضل منه مهما بلغت دقته - وتنتهي بتغيير الحياة بالكامل ولكل من حولنا، وأن تتعلم السيدة كيفية الخيار في قائمة أفضلياتها وأولوياتها بين أن تكون صاحبة صدر عالٍ يتصدر بصوته الصارخ شهقات الإعجاب وداخله خلايا السرطان تنخر في صمت بالغ بجهلها بأهمية الفحص المبكر الذي يحيلها لتصبح بعد حين صاحبة الصدر الخالي ! أو أن تكون صاحبة عقل سليم وصدر سليم خال من الابتذال الجسماني والزحف السرطاني..!