{ على الرغم من عدالة قضية الدراميين السودانيين المتمثلة في ضعف الإمكانيات وضمور أعصاب وعضلات الإنتاج التي تحرك جسد الدراما السودانية، إلا أنهم للأسف يفرطون في الفرص السانحة التي تتاح لهم على قلتها، وواحدة من هذه الفرص هي المساحات التي منحتها فضائية الشروق لعمل إنتاج كبير هو (حكايات سودانية) التي سبق وقلت آرائي فيها بصراحة، وإن كانت قد استفزّت البعض إلا أنها مست الحقيقة في كبدها، أو كهذا أظن، لكنني بصدد الحديث عن (مسرح على الهواء) الذي يبث مساء كل خميس، ومضمونه أنه يتعرض لبعض القضايا الاجتماعية (في الهوء الطلق)، وبما أنه هذه الأيام ما عندنا لا هواء ولا طلق فالأنسب أن نقول في (الحراية المولعة نار)، وفكرة المسرح الجماهيري هي ليست وليدة الأمس أو الليلة، إذ أن واحداً من روادها المهمين هو الراحل الفاضل سعيد الذي كان يعرض اسكتشاته ومسرحياته القصيرة في ميدان عبدالمنعم في ستينات القرن الماضي، ووقتها كان الراحل الكبير (يهبش) قضايا اجتماعية مهمة أسهم كثيراً في الكشف عنها، وربما أسهم إلى درجة كبيرة في الحد من السالب منها، لكن مسرح على الهواء الذي نشاهده هذه الأيام من (تقديم) ولا أقول (تمثيل) أخينا محمد المهدي الفادني وبعض الممثلين، يمثل قمة (الهيافة) في الطرح وقمة (الاستسهال) في القالب الذي يقدم من خلاله، ولكم أن تتصوروا أن آخر عرض قدم الخميس الماضي وبث على الفضائية التي يشاهدها (المننا وعلينا) أو (الجايبه الدرب ساي)، كان عن: إن كنت سترجع محفظة واقعة في الشارع ومليئة بالمال؟ وبعدها منح المايكروفون للجمهور ليقول رأيه !! فما كان من الجمهور الحاضر للمشاهدة (الله يديه العافية) إلا أن قال معظمه إنه ما حيرجع المحفظة طالما أن دي هدية وجابها رب العالمين، بل أن البعض من الموجودين اللذين منحوا فرصة الحديث عمّال على بطال دون مراعاة أن هذا البرنامج يدخل بيوتنا غصباً عننا، إذ أنه ليس قاصراً على الشارع الذي عرض فيه، استعمل مفردات مثل (ما ترجع التجديرات ياعمك)، وعند سؤالي عن التجديرات علمنا أنها بلغة الرندوك تعني القروش، وبالتالي لم أستطيع أن أفهم أو أستوعب المغزى والقيمة التي اراد مؤلف الاسكتش أن يوصلها، خاصة وأنها من نوع القيم التي لا تحتاج لأخذ في الرأي، لا سيما وأنها - أي القيمة موضوع النقاش - لا تستحق أن تفرد لها سهرة كاملة في فضائية مشاهدة كالشروق، والبلد مليانة مشاكل وبلاوي اجتماعية تستحق أن تعرض على الهواء في مسرح يحتاج إلى الهواء!! { أعتقد أن الفرصة الثمينة التي منحتها الشروق لهذا العمل لم يستطيع (تيمُه) أن ينتهزها ليقدم عملاً حقيقياً وجاداً يجعل المشاهد مصراً على متابعته. على فكرة المشكلة هي ليست في المحفظة المليئة بالقروش، المشكلة التي كنت انتظر أن يتناولها العمل الدرامي هي وين المحفظة وكيف يستطيع المواطن الغلبان أن يملاها بالقروش؟ أما مثل هذه (الهيافات) فمكانها مسرح لرياض الأطفال وليس عملاً يشاهده مواطن واعٍ ومثقف تجاوز ببصره وطموحاته حتى الدراما العربية وهو يشاهد أعمالاً إنسانية حقيقية بأبطال يجعلونك تبكي ألماً أو تفرح حتى تكاد تطير.. والمغالطني يشاهد ميريل استريب!! { كلمة عزيزة لا أدري لماذا تأتي كل التصرفات الصادمة واللا إنسانية هذه الأيام من قبيلة الفنانين، وآخر هذه التصرفات طرد الشاب الموهبة محمد أبو صلاح عن خشبة المسرح في ليلة تأبين الراحل عثمان حسين، وغداً أقول رأيي بمنتهى الصراحة. { كلمة أعز بعض الممثلين يقابلونك في أماكن عامة بملابس رثة ولا علاقة لها بالتناسق، رغم أنهم نجوم مجتمع، ويبدو أننا محتاجون إلى إدخال ثقافة أن المظهر العام للنجم يوازي في الأهمية الأعمال التي تقوم بها.