{ عندما قلت يوماً ما إن الشافعة اليافعة فهيمة مطربة الغد المتخرجة من برنامج نجوم الغد، عندما قلت إنها ظُلمت وعُوملت بقسوة وهُوجمت كرد فعل لفعل لا يساويه إطلاقاً في المقدار بل افترضت يومها جدلاً لو أن فهيمة غلطت أو (لطشت) في الكلام كان من باب أولى على الكبار أن يكونوا أكثر رحمةً وعطفاً عليها كما وصّانا رسولنا الكريم «ليس منّا من لم يرحم صغيرنا» طالما أن هذا الصغير ارتكب هفوة لا دخل لها بالتوقير والاحترام إذ أنه ربما لجهله وصغر تجربته وقلة معرفته محتاج أن نمسك بيده حتى يستوي عوده ونستوعبه حتى تنضج أفكاره وأحاسيسه، بل أن نعلمه فضيلة الاحترام بمنحه فضيلة البر والرحمة لنكون له القدوة والمثل مش (نخبط) فيه حتى ينقصم ظهره من أول هفوة أو زلة لسان ارتكبها، لذلك وبهذا الفهم استغربت جداً للطريقة غير الحضارية التي (طُرد) بها الشاب محمد حفيد الشاعر الكبير صالح عبد السيد أبوصلاح بحجة أنه (اقتحم) المسرح ليطلب الغناء في ليلة تأبين الراحل الكبير عثمان حسين. دعوني أسال أولاً اللجنة المنظمة عن السبب الذي جعلها لا تضع اسم الشاب الصغير منذ البداية (والطير الطائر في السماء) يعلم أنه خير من يعزف على العود مترنماً بأغنيات الراحل العملاق بل إن أداءه الصوتي مقارنة بمن مُنحوا الفرصة أفضل ألف مرة لا سيما وأنه لازال في طور التكوين والنمو لذلك كان من باب أولى أن يكون واحداً من المجدولين حتى لا يضطر أن يفرض نفسه بقوة الأمر الواقع! ربما يقول أحدهم إن الشاب اخترق القواعد والنظام وهو لم يكن مضمّناً في فقرات الحفل؟ أقول الرحمة حلوة لأن المكان والمناسبة والزمان كانت احتفاءً برجل عظيم منحنا في كلماته أجمل قيم التسامح والمحبة والمغفرة ولو أنه كان موجوداً (بشخصه) لمنح حفيد أبوصلاح فرصة الغناء لأن خمس أو عشر دقائق ما كانت لتكون خصماً على فعاليات الحفل بل على العكس كانت ستمثل إثراءً له لأن الشاب بالفعل يحمل موهبة حقيقية. { في كل الأحوال مثل هذه الممارسات الشاذة والقاسية لا تشبه الوسط الفني الذي يدعو للمحبة والخير والسلام، ومثل هذه المواهب الشابة تحتاج إلى معاملة وتعامل نفسي محدد وإلى صدر رحب يستوعبها ويحنو عليها مفوّتاً غلطاتها وتجاوزاتها لأن مثل هذه القيم هي التي تهذب النفس البشرية وتصلح من إعوجاجها وليست القسوة ولا إغلاظ القول والفعل لأني متأكدة أن الجرح الذي أصاب حفيد الشاعر الكبير جراء (طرده) بهذه الشاكلة سيظل نازفاً بداخله حتى لو أنه ادعى غير ذلك.. وللمرة المليون أقول الرحمة قبل العدل!! كلمة عزيزة رغم أن المناسبة كروية بالدرجة الأولى إلا أن حفل الافتتاح لمونديال (2010) بجنوب أفريقيا كان فنياً بحتاً برقصاته وأهازيجه والفنانين الذين حضروا من كل دول العالم للمشاركة في هذا العرس الكبير ولعل هذا الحضور المهيب للغناء في كافة أشكاله يؤكد أهمية هذا المنحى الإبداعي بل يؤكد أنه سفارة قائمة بذاتها تذلل الفوارق وتقلل من الاحتقانات وربما تحلحل المشاكل. ولعل هذا الدور الكبير يجعلني أحمّل أهل القبيلة الفنية السودانية المسؤولية عن التعريف بهوية هذا البلد بل والانطلاق والمنافسة بفنونه وموسيقاه في كل المحافل والمهرجانات وأحسب أن هذا الفعل لا يتأتى إلا بالمزيد من الإنتاج الفني والتلاقي والتلاقح في الأفكار والطموحات أما لو أننا جعلنا الفن أرضاً متاحة للحروبات والمشاكل والمشاحنات فإنها تكون (خربت) وما فضل فيها خير لأنني أتوقع أن (تبوظ) من أي اتجاه إلا من اتجاه من يفترض أنه تهب من (نواحيهم) ريحة الفل والياسمين وليس أصوات الرصاص وريحة البارود!! ٭ كلمة أعز أن تبدأ الفضائية السودانية في دعوة مبدعيها القدامى من الذين عملوا في التلفزيون في عصره الذهبي رغم أن الإمكانيات لم تكن عشر المتوفرة الآن فيه اعتراف كبير بأن هناك خلل ما وبالتأكيد فإن أفكار الكثير من الأساتذة ستثري الخارطة البرامجية لو أنه أُخذ بها بالفعل ولم تُحبس في الأدراج.