فريق أول ركن حسن يحيى محمد أحمد تمثل اتفاقية نيفاشا (الكارثة) حلاً سياسياً لقضية الجنوب، والمعروف عالمياً أن الحلول السياسية حلولاً وسطية لا تحقق سلاماً دائماً ولكنها تحقق سلاماً بارداً قابلاً للانفجار تحت أي ظرف طارئ كما حدث في اتفاقية أديس أبابا 1972م وكما يجرى حالياً فيما يسمى باتفاقية السلام الشامل!! بروتوكول الترتيبات الأمنية اتفق فيه الشريكان على أن يكون الجيش الشعبي موازياً للجيش القومي كعمل غير مسبوق في تاريخ البشرية!! اتفق الطرفان كذلك على بلورة عقيدة عسكرية جديدة خلال عام واحد من توقيع الاتفاقية يتم تدريب الجيش القومي والجيش الشعبي والقوات المشتركة عليها. لقد استغلت الحركة الشعبية ثغرة بروتوكول الترتيبات الأمنية كثغرة واهنة في تسليح جيشها وتحويله إلى جيش نظامي عصري يملك كل أسلحة الحرب الحديثة. أول ما بدأت به الحركة في هذا المجال هو شراء الدبابات الأوكرانية «T72» التي كشف سرها القراصنة الصوماليون ثم إيفاد الطيارين والمهندسين للتدريب بالخارج في جنوب إفريقيا وكينيا ويوغندا والولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل. مؤخراً طالعتنا وسائل الإعلام المختلفة بأنباء تتحدث عن بداية تدشين القوات الجوية للجيش الشعبي لتأمين عملية تقرير المصير كما تحدثت وسائل الإعلام كذلك عن بناء القوات البحرية للجيش الشعبي. المعروف عالمياً أن بناء القوات الجوية والبحرية أكثر تكلفة ولا تستطيع أي دولة من دول العالم الثالث ناهيك عن حركة انفصالية متمردة أن تشرع في بناء قوات جوية وبحرية في وقت واحد!! وذلك نسبة للتكلفة الاقتصادية العالية والحاجة الماسة للكوادر الفنية والإدارية ذات الخبرة في هذه المجالات، هذا بالإضافة للبني التحتية. السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هل دولة الجنوبالجديدة مؤهلة للقيام بذلك وهل ذلك من أسبقيات المرحلة؟! الإجابة بالطبع لا.. وذلك نسبة لأن دولة الجنوب لا تملك الامكانيات الاقتصادية والكوادر البشرية المؤهلة في الوقت الحاضر ولا في المستقبل المنظور أو البعيد وهذا يعني أن تمويل وإدارة وتشغيل القوات الجوية والقوات البحرية للجيش الشعبي سوف يتم بواسطة الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل، وهذا يعني أن دولة الجنوبالجديدة ستكون دولة عميلة عبارة عن قاعدة عسكرية أمريكية بالمنطقة وسيكون خطرها على كل دول المنطقة الإفريقية والعربية أكبر من خطر إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط ! الغريب في الأمر أن كل هذا المخطط الديناميكي الصهيوني الكبير يجري على نار هادئة والدول العربية والإفريقية في سُبات وبيات شتوي عميق، بل نجد أن معظم الدول الإفريقية جنوب الصحراء وبعض الدول العربية تُشارك في هذا المخطط بفاعلية وتدعمه وهي لا تُدرك مدى مغبّة وخطورة المؤامرة الكبرى التي تُشارك فيها !! ما يهمنا هنا موقف الحكومة السودانية التي أصبحت أسيرة ورهينة لنصوص اتفاقية مشبوهة ذات أجندة خارجية يُدرك القاصي والداني أهدافها الحقيقية وهي تمزيق وحدة البلاد وتفكيكها لدويلات صغيرة حتى تسهل السيطرة عليها بواسطة السفير الأمريكي والسفير الإسرائيلي ! فعلى الحكومة أن تتحرك الآن وبسرعة وبقوة وألا تقف مكتوفة الأيدي وهي تشاهد الأعداء يطبقون عليها من كل صوب، وعليها ألا تُكرر الخطأ الذي وقع فيه صدام حسين (رحمه الله) حيث أعطى الفرصة لقوات التحالف أن تكمل استعدادتها لمهاجمة بلاده ولو بادر هو بالهجوم عليها في قواعدها قبل اكتمال استعداداتها لتغيّر سير الحرب ولتغيّرت نتيجتها كذلك! علينا أن نتذكر بأن التاريخ يمكن أن يُكرر نفسه للذين يسيرون نياماً! القوات الجوية والقوات البحرية والدبابات الأوكرانية كلها أسلحة هجومية ولا تصلح أرض الجنوب لاستخدامها وهذا يعني أن المقصود بهذا التسليح الهجومي هو شمال السودان! وما يؤكد صحة هذا الإدعاء تمسُّك الحركة الشعبية بمنطقة النيل الأزرق ومنطقة جنوب كردفان ومنطقة أبيي وعدم سحب قواتها من هذه المناطق الثلاث حتى هذه اللحظة ما يشكِّل خرقاً واضحاً للاتفاقية وسكوت المؤتمر الوطني عن هذا الخرق أفقده انتخابات الجنوب وسيفقده وحدة السودان، القوات البحرية التي أنشأتها الحركة الشعبية القصد منها قفل المجرى النهري بين الشمال والجنوب حيث أنه لا يوجد بالجنوب مسرحاً آخر لاستخدامها. عند إعلان انفصال الجنوب فإنه سوف يصبح دولة مغلقة بلا منافذ بحرية وهذا يعني أن دولة الجنوبالجديدة ستكون دولة حبيسة بلا إرادة ولا تستطيع أن تُطل على التجارة الدولية إلا عبر جيرانها وهذا الوضع يفقدها السيادة الوطنية ويرهن قرارها للآخرين لأن الدولة التي ستنفذ عبرها تجارتها الخارجية ستُملى عليها شروطاً قاسية! ما تقوم به الحركة الشعبية من ترتيبات واجراءات بشأن إعلان دولتها الجديدة في مطلع العام القادم وما تجده من دعم وسند خارجي في هذا المجال وتشجيع من الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل سوف يجعل الانفصال دموياً! وفي هذا الإطار علينا أن نعلم جميعاً حكومةً وجيشاً وشعباً أن الحرب التي خضناها لأكثر من خمسين عاماً هي عبارة عن بروفات وتمارين للحرب الحقيقية القادمة التي ستندلع فور إعلان انفصال الجنوب. الحرب القادمة ستكون حرب وجود وليس حرب حدود، حرب بين العنصر العربي والعنصر الإفريقي، حرب بين الإسلام والمسيحية، حرب تدعمها وتغذيها الكنيسة الإفريقية والكنيسة العالمية والصهيونية العالمية. هل نحن جاهزون ومستعدون لهذه الحرب القادمة المفروضة علينا، أم أننا مشغولون عن ذلك بتشكيل الحكومة الجديدة التي طال انتظارها؟! ختاماً أسأل الله أن يحفظ بلانا من كيد الأعداء وأن يجنِّبنا مخاطر الغفلة التي نعيشها. وبالله التوفيق. زمالة اكاديمية نميري العسكرية العليا كلية الدفاع الوطني