احتجاجاً على السلوك العنصري الذي أبدته قوات أمن لبنانيّة فضت حفلاً خيرياً لسودانيين بمنطقة الأوزاعي في بيروت، قام متظاهرون بالخرطوم أمس الأول بتقديم مذكرة للسفير اللبناني وهي الحادثة التي كانت (الأهرام اليوم) قد نشرت تفاصيلها وتداعياتها ضمن ملفها الخاص حول أوضاع السودانيين في لبنان، والذي توالى الطرق على كافة مفاصله وجزئياته طوال شهر يونيو الحالي، عبر وجود فعلي بالأراضي اللبنانية والديار السورية، ومتابعة لصدى ردود الأفعال في العاصمة الخرطوم.. والحال كذلك .. ارتأينا من جانبنا إكمال عناصر هذا الملف اليوم بهذا اللقاء مع السفير السوداني في بيرت إدريس سليمان، بعد أن أجرينا في الأيام الفائتة حواراً مع نظيره اللبناني بالسودان، أعقب سلسلة تحقيقاتنا الميدانية في بلاد الأرز. الحوار مع سليمان لم يقتصر علي أحداث الأوزاعي فحسب، بل عرجنا كذلك للحديث معه حول الهجرات غير القانونية للسودانيين إلى لبنان التي أصبحت هاجساً يؤرق جهات الاختصاص، ومن بينها السفارة السودانية ببيروت.. فهي لا تكاد تفرغ السجون اللبنانية من المتسللين السودانيين عبر ترحيلهم إلى البلاد حتى تمتلئ بأفواج منهم مرة أخرى.. فقد أكد السفير السوداني ببيروت أنهم تمكنوا قبل شهرين من ترحيل نحو 224 شاب سوداني بلا إقامات رسمية إلى السودان ليفاجأوا بامتلائ السجون مرة أخرى بنحو 200 شاب وتوقعوا مضاعفة العدد في ظل التنامي المتزايد لنشاط شبكات التهريب بالداخل والخارج.. ٭ سعادة السفير ، ما هي تفاصيل حادثة الأوزاعي الأخيرة؟ - حادثة صالة الأوزاعي حدثت قبل أسبوعين عندما أقنع أحدهم المدعوين، وكانوا سودانيين وبينهم جنسيات أخرى، أنه تحصل على ترخيص لتنظيم حفل خيري، إلا أن المدعوين إلى الحفل اكتشفوا عقب مداهمة الموقع من قبل الأمن اللبناني أن منظم الحفل لم يتحصل على إذن وترخيص لإقامته وكانت النتيجة أن تم القبض على 100 سوداني. وقد طالبنا بإطلاق سراح الذين لديهم إقامات رسمية وأبلغنا السلطات اللبنانية احتجاجنا على المعاملة غير الكريمة التي لقيها بعضهم. ٭ ما هي الخطوات التي اتخذتموها كسفارة؟ - طالبنا بفتح تحقيق عاجل ومعاقبة الذين ارتكبوا تجاوزات من عناصر الأمن اللبناني وأكدنا رفضنا المساس بكرامة أي مواطن سوداني أو إهانته، حتى إن كان مخالفا للقانون، فهنالك طرق للتعامل يجب الالتزام بها. ٭ هل تعتقد أن الحادثة يمكن أن تؤثر على علاقة البلدين؟ - كلا.. كل السودانيين هنا في لبنان مكان ترحيب ويؤدون أعمالهم التي تعاقدوا عليها بكل يسر.. لكن تمت لاحقاً مداهمة لمنزل وقبض على نحو 142 سوداني لا يحملون إقامات رسمية. ٭ سعادة السفير، متى بدأت تلك الهجرات غير القانونية إلى لبنان؟ وما هو عدد المهاجرين غير الرسميين تحديداً؟ - بدأت الهجرات غير الشرعية إلى لبنان في التسعينيات وعددهم تحديداً خمسة آلاف شاب، قبلها كان يأتي إلى بيروت الأدباء والشعراء وكبار المسؤولين وبعض الذين يأتون بغرض السياحة لكن مثل تلك الصلات انقطعت في فترة الحرب اللبنانية الأهلية.. وعقب إنتهاء الحرب تلاحظ تزايد نشاط المتسللين إلى لبنان. ٭ في تقديركم ما هو الدافع وراء مثل تلك الهجرات؟ - بدأت تلك الهجرات إلى لبنان بدافع إيجاد عمل ويهدف البعض بدخوله لبنان لاتخاذها معبراً إلى أوربا والولايات المتحدة لكن تنتهي هذه الأحلام بالعمل في أعمال بسيطة وهامشية محدودة الدخل مثل حراسة البنايات وغيرها وقد لا يتعدى دخل الفرد منهم نحو 300 دولار لا تكاد تكفي احتياجاته الحياتية! ٭ كيف تتم تلك الهجرات غير القانونية؟ - معظم تلك الهجرات غير الشرعية تتم عبر الحدود المجاورة، تحديداً عن طريق سوريا.. خاصة وأن السفر من السودان إلى سوريا لا يحتاج إلى تأشيرة.. وقد استغل البعض هذه التسهيلات في أعمال غير قانونية. ٭ إذن من يقف وراء تلك التسللات المنظمة؟ - هنالك الآن عصابات تعمل في تجارة البشر وتهريبهم وهذه العصابات لا هم لها غير الكسب المالي لذلك نجدها بدأت تستغل المهاجر بإجباره على حمل أشياء ثقيلة وغير قانونية. ٭ مثل ماذا؟ - يستغلونهم في نقل المخدرات وحملها على الحدود ويجبرونهم على ذلك ويسيرون بهم وسط طرق جبلية وعرة، وفي فصل الشتاء يسقط بعضهم أمواتاً بسبب الطقس البارد. ٭ هل ينجح هؤلاء في دخول بيروت بسهولة ويسر؟ - لا، فهؤلاء الشباب عندما يصلون بيروت تقابلهم أوضاع صعبة للغاية أقلها أنهم يدركون أن فرص العمل غير ميسرة ويواجه أيضاً بدخل محدود ويجد نفسه غير قادر على البقاء ولا الرجوع بسبب تعرضه للإقامة بطريقة غير قانونية وبلا إقامة وفي كثير من الأحيان يقبض عليهم ويرمى بهم في السجون. ٭ هل يوجد بعد سياسي في هذا الملف؟ - لا ليس هنالك بعد سياسي، ليس بالسهولة استغلالهم سياسياً. ٭ كم عدد الذين أودعوا السجون اللبنانية؟ - هنالك الآن داخل السجون اللبنانية حوالى 200 شاب سوداني تعمل السفارة السودانية حالياً على تخليصهم وإرسالهم إلى ذويهم. تمكنا خلال هذا الشهر من ترحيل نحو 150 شاب ونعمل على ترحيل العدد المتبقي بالتعاون مع السلطات اللبنانية وأيضاً بالتعاون مع ذويهم. ٭ هل هنالك عقبات تواجه ترحيل من تم القبض عليهم؟ - الإشكال الأساسي الذي يواجهنا أن المسألة تتكرر، فمثلاً قبل شهرين قمنا بترحيل 224 شخص وأخلينا السجون لكنها امتلأت مرة أخرى بنحو 200 شخص. ونخشى أن تتضاعف أعداد من هم بالسجون اللبنانية. ٭ لماذا لا يتم وضع ضوابط بعينها للحد من تلك التسللات؟ - من حق السوداني، أي سوداني، دستورياً أن يتنقل أينما شاء ومتى ما شاء.. غالبية هؤلاء الشباب لديهم جوازات سفر رسمية تم استخراجها بصورة سليمة خرجوا بها من البلاد بصورة سليمة.. ولا يمكن لأحد أن يمنعهم من السفر. ٭ إذن أين الثغرة؟.. أين مكمن الإشكالية؟ - الإشكالية الأساسية أن هنالك بعض الجهات تعمل في مثل هذه التجارة يجب على الجهات المسؤولة والسلطات أن تضبط حركتها مثل المكاتب المنتشرة التي تقوم بتنظيم عملية التهجير والتهريب و.. ٭ هل لدى الجهات أو تلك المكاتب بالداخل صلات بمن هم بالخارج؟ - مثل هذا النوع من الهجرة أصبح نشاطا عالميا تديره عصابات.. جماعة في سوريا وجماعة داخل لبنان، وهي شبكة تتصل ببعضها البعض وتدير أعمالا منظمة وهدفها الربح. هذا النوع من العمليات في مجال الإتجار بالبشر أصبح الآن من أخطر النشاطات في العالم، هنالك الآن بعض الدول تنظم مثل تلك النشاطات لتوظيفها في مجال الإتجار بالأعضاء البشرية. ٭ كلمة أخيرة؟ - نصيحة أقدمها لهؤلاء الشباب، ألا يقدموا على مثل تلك المغامرات عبر التهريب بطرق غير شرعية لبلدان أخرى للمخاطر التي يعرضون أنفسهم لها، ولأن العمل غير مجز بتلك البلدان.