لم يكن أحد من أولئك الشباب يدرى ماذا يمكن ان تذهب به الاقدار عندما قلعت بهم الطائرة الى دمشق المحطة الثانية فى طريق الوصول الى الاحلام او هكذا تبدت لهم تلك اللحظات والطائرة تشق ظلمة الليل واضواء نجيمات بعيدة تتجاذبها نوافذ الطائرة، وكانت المحطة بعد ان احضر المبلغ المطلوب منه. التقيت بأحد الشباب ويدعى الريح قال لى انه سوف يسافر فى صباح اليوم التالى بعد ان اكمل المبلغ الذى طلب منه احضاره ويشتمل على تكلفة السفر الى سوريا مضاف اليها المبلغ المخصص كتكاليف للتهريب وان الرحلة فى مرحلتها الثانية تبدأ من مطار دمشق حيث يتم استقبالهم من قبل احد مندوبى المهربين وفقا لاتفاق معين يتم فيه تحديد الحركة من المطار والاشخاص الذين نلتقيهم حتى نصل الحدود وقد اخبرونا ان من ضمن الاتفاق عبور الحدود سيرا على الاقدام حتى نصل الى الاراضى اللبنانية. وقد سألت الريح لماذا لم يذهب الى سفارة لبنان للحصول على التأشيرة فرد علي وبشكل قاطع لا توجد سفارة فى لبنان وان هنالك 80 من اقاربى وابناء قريتنا سافروا بهذه الطريقة وعلى الرغم من أن الريح بدا واثقا مما يقول كنت اتذكر ابيات شعر كان يرددها السفير اللبنانى فى الخرطوم عندما التقيته فى ذات الشأن وهى هيهات من كان له مرقد عنز فى لبنان ولكن يبدو ان مراقد العنز التى جذبت الكثير من الشباب السودانيين الى عبور الجبال الى بيروت وضواحيها جعلتهم يدفعون الكثير واول ذلك مخالفتهم للقوانين فى الدخول الى اراضى دولة بصورة غير شرعية عرضت الكثير منهم الى السجن والابعاد، ولكن ثمة خطر آخر يتهدد اولئك الشباب وبشكل دائم وهو سوء المعاملة من قبل المهربين والتى قد تصل الى حد الموت فى بعض الاحيان وكنت قد اجريت اتصالا هاتفيا بالصحفى اللبنانى اسامة القادرى الذى يعمل فى صحيفة الاخبار البيروتية كاحد المهتمين باوضاع السودانيين فى لبنان فقال لى ان الأوضاع التى يواجهها هؤلا الاشخاص فى طريقهم الى لبنان من قبل المهربين تعتبر قاسية وغير انسانية وهم فى الغالب من السودانيين و بعض الاثيوبيين و يصلون بعد ان يكون الجوع والتعب فى رحلة عبور الجبال قد انهكهم بالاضافة الى الطريقة التى يعاملهم بها المهربون وقد وجد بعضهم محتجزاً من قبل المهربين فى حظائر ضيقة للابقار او فى مزارع مهجورة دون طعام مما يعرض حياتهم للخطرواعتقد ان الظروف غير الانسانية هى اسوأ مايمكن ان يتعرض له هؤلا المتسللين وكانت السلطات اللبنانية قد اوقفت فى الاسابيع الماضية 36 سودانيا في مزرعة تم اخفاؤهم فيها بواسطة عصابات تهريب البشر . وقال سفير السودان في لبنان ادريس سليمان في اتصال هاتفي (للصحافة) انهم تم اخطارهم من قبل السلطات اللبنانية بان هناك 36 سودانيا تم احتجازهم لدخولهم لبنان متسللين بصورة غير شرعية ،وقال بأن المجموعة التي تم القبض عليها واحدة من ضمن مجموعات اخرى تعرضت للخداع من قبل عصابات التهريب وان هناك اكثر من ثلاثة سودانيين تعرضوا للقتل من قبل العصابات في الثلاثة اشهر الماضية وان السلطات السودانية قامت في خلال الاسابيع الماضية بترحيل 150 سوداني من المتسللين الموجودين في السجون اللبنانية وان هناك50 آخرون قد اكتملت اجراءات ترحيلهم من جملة المحكومين والبالغ عددهم 200 سوداني. ويذكر ان الحكومة السودانية كانت قد قامت بترحيل 224 آخرين من المحكوم عليهم بتهمة التسلل قبل شهرين من الآن. ووصف سليمان الظاهرة بالسلبية على الرغم من انها ليست كبيرة بالشكل المزعج ولكن اسوأ ما فيها ان عصابات التهريب لها شبكات مترابطة في السودان وسوريا وتقوم بتضليل الشباب للسفر لهذه المناطق فبعد وصولهم الى سوريا يجري تهريبهم الي مناطق محاطة بالمخاطر والثلوج ويتعرض بعضهم الى سوء المعاملة من خلال حجزهم في مزارع الدواجن والابقار ويظلوا لايام داخل تلك المناطق وغالبا مايقوم المهربون انفسهم بالتبايغ عن اماكن تواجد اولئك المتسللين للتخلص من مسؤولية اقامتهم واخفائهم وفى بعض الاحيان يقوم المهربون باستقلالهم فى نقل البضائع وجوالات الخضروات فى رحلة السير على الاقدام وفى بعض الحالات يرغمونهم على حمل الممنوعات ويتعرض بعضهم للتعذيب وقد وجدنا آثار التعذيب على اجساد الشباب الثلاثة وقد القيت اجسادهم فى احد مجاري المياه واعتبرها تصرفات فردية ولكن ماذهب اليه السفير السودانى من طرح مشاهد العنف المشهد الوحيد، فقد ذكرت صحيفة الاخبار اللبنانية ان هنالك صراعات قبلية تتم بين المتسللين انفسهم ولكن المشهد الذى كان اكثر قتامة هو ماتعرض له السودانيون من اساءات وسوء معاملة من قبل قوات الامن اللبنانية وقد استنكر السفير اللبنانى بالخرطوم تلك الاحداث وقال احمد الشماط بان ظاهرة تهريب البشر ليست وليدة اليوم، ففي العالم باكمله هناك ما يسمى بالاحلام والقائمون بعمليات تهريب البشر يبنون ابراجا عاجية يعيش فيها الناس وكأن البلد الآخر به شجرة تهزها وترمي عليك الذهب والمال، وعالميا هناك عصابات تعمل في مجال التهريب الى اوربا واخرى من المكسيك الى امريكا . وفي السودان لاحظت ان عمليات التهريب الى لبنان قديمة فمنذ وفادتى الى السودان منذ سنتين ونصف تبين لي ان هنالك عصابات تنمي الاحلام في نفوس الشباب فيظنون ان لبنان هوالمخرج والحقيقة ان لبنان يرحب بالجميع على ارضه والسفارة فى الخرطوم تمنح التأشيرة للراغبين للذهاب الى لبنان دون وسيط، قد رفضنا كل المحاولات من سماسرة السفر بان يكون هناك وسطاء ولكن هناك من يخدع هؤلاء الشباب ويعمل على تسفيرهم الى لبنان بدون رجوعهم الى السفارة ظنا منهم ان السفارة لا تمنحهم تأشيرة الدخول لكننا نمنح كل من استوفى الشروط المطلوبة منه فبعد ان ترسل السفارة التأشيرة الى بيروت ويتم تأكيدها من الجهات المختصة يمنح الفرد تاشيرة الدخول بعد توضيح الاقامة وسبل المعيشة و قد تم منح 3000 تأشيرة فى العام الماضى معظمها لاغراض التدريب والتجارة والعلاج ولا نحتاج الى عمالة اضافية والسوق اللبنانى مكتف ذاتيا والمهربون هم من يرسم الصور الخيالية والاحلام فى اذهانهم ولبنان على مر السنين كان موئلا لكل المضطهدين لما فيه من حرية حتى انه يطلق عليه ( سويسرا الشرق) فمنذ حوالي سنة ونحن نرقب بعض الاشخاص المستفيدين يحاولون داخل اسواق الخرطوم العمل على نقل السودانيين الى لبنان وادعائهم بانهم يؤمنون لهم السفر والعمل ولكن كلها مجرد اوهام واستغلال للاموال ما تفتأ ان تتبدد احلامهم في الجبال واموالهم تضيع ليعودوا بخفي حنين . ومن المعروف ان سوق العمل في لبنان ضعيف بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين والذين تكون اعمالهم دوما فى اعمال هامشية وتعامل بدرجة من الدونية وتتوزع بين اعمال خفراء البنايات السكنية النواطير واعمال النظافة والخدم فى المنازل بالنسبة للنساء والعمل فى المزارع فى حين لايتجاوز سقف الرواتب لهذه الاعمال 300 دولار واما إذا كان الشخص قد حصل على وظيفة فني فان راتبه يصل 500 دولار في حين تصل تكلفة ايجار الغرفة في بيروت الى 100 دولار حيث يقوم المهاجرون بالاشتراك فى السكن والعيش فى مجموعات لتقليل نفقات المعيشة فى حين ان الحد الادنى لأجور اللبنانيين يصل إلى 700 دولار .