والأكثر صحة وعافية للمجتمع السوداني، أن تكون العقوبات رادعة بمعنى كلمة الردع في حق المعتدين على الأطفال، حتى وإن لم ينته الاعتداء بالموت الأحيائي المعروف الذي ينتهي بمراسم الذاكرة في النسيان والانشغال ما لم ينته في بادئه بالإيمان وحمد الله على المصاب والمصيبة، فالموات النفسي الذي يخلف جثة الأمان والبراءة في كامل ملامحها وحلو الحياة واكتشافها في داخل الطفل أسوأ وأمرّ بكثير، ومخلفاته تبدأ بالانطواء وتنتهي - أحياناً - بنفس الجريمة! فالجريمة حديثة على المجتمع السوداني رغم وجودها في شكل إساءات جنسية منذ تاريخ قديم ومسكوت عن المجاهرة به لأسباب لا تتعدى العيب والوصمة الاجتماعية، إلا أن تطورها الحالي يتمثل في قتل ضحية غالب الاعتداءات وإخفاء معالم طرق سيرها وتفاصيلها، ثم المفاخرة ببشاعة تنفيذها وقذارة غموضها أمام أصحاب النفوس المريضة الآخرين ليتم التخطيط الجماعي لجريمة أخرى ما دام الانفلات من العقاب في الأولى كان مبهجا لهم - أليس ملفتاً أن معظم جرائم الاغتصاب للأطفال تتكون من أكثر من اثنين رغم ضعف الضحية؟ وللذين يتابعون مثل هذه القضايا بشكل صحي لمعرفة مآلاتها وأسبابها وأحكامها فإن آخر الأحكام الصادرة في قضية الطفلة (شيماء) والتي أثلجت صدور أهلها الحزينة، وصدر كل من تابع القضية - وبشكل خاص جداً أسمحوا لي أشيد بالصحفية المتميزة الزميلة ( بخيتة زايد) على مثابرتها بالتغطية للقضايا المهمة ومهما كلفها ذلك من رهق وبلاغات - بتنفيذ حكم الإعدام على مغتصبيها، رغم أن الحكم وقع على ارتكابهم جريمة القتل وليس الاغتصاب الا أنه مثل العاقبة المحتومة لكل من يقرر في نفس أمارّة لئيمة أن يغرر بطفل مهما بلغ درجات من الإهمال أو عدم المراقبة. والمراقب لأحداث جرائم الاعتداءات الجنسية على الأطفال يتوقف عند سؤال قد يبدو غريبا في إعلانه هكذا لكنه من شأن المعرفة فما الذي يرغبه المعتدي في ممارسة الجنس مع طفل؟ وما الذي يرضيه فيه؟ هذه الاستفهامات هي التي تقود للسؤال الرئيس حوله، وأنه مع الانتشار الكبير والمرعب للرذيلة التي نقرأ ونسمع ونشاهد ونتابع عنها ما يقلق ومع المتاح من كافة أنواع الجنس بشكل جديد ومنقول، لا فيه استحياء ولا استعلاء - وأعني بين الطبقات كالعامل وربة المنزل والخادمة ورب البيت.. الخ.. - هل يمثل الاعتداء الجنسي على الأطفال نوعا جديدا من أنواع المتع المحرمة؟ فالمتعة الوحيدة التي يمكن أن يستمتع بها المعتدي - الأثيم - هي متعة فرض السيطرة على ضعيف لا أو لن يستطع مقاومة قوة جسدية وعقلية ومرضية كالتي يتمتع بها المعتدي، وبالتالي سيخضع لفعلته حيا أو ميتا بها! فلا مقاربة لمتعة جنسية بينهما مهما بلغت درجات حضيض شهواته.. والشهوة للانتقام التي نجدها في كل نفس طبيعية، مرت أو لم تمر بتجربة قاسية التفاصيل كهذه، إنما سمعت بها أو قرأتها فقط، ستتمثل في الرغبة في توقيع أقصى عقوبة ممكنة على المجرم - وفي عرف المجرمين، في كل سجون العالم، فإن المعتدي على الأطفال هو في مرتبة لا تليق حتى بالحيوانات لذلك دائما ما يتم الاعتداء عليه بأبشع الحملات الانتقامية غير القاتلة - وللمجرمين كذلك شرف وعرف سبحان الله! والعقوبة القصوى في القانون تتراوح بين الثلاث والخمس سنوات في حال ثبوت الجريمة وفي حال عدم موت الضحية، ففي معظم جرائم الاغتصاب يكون الطفل في حالة سيئة جداً وإنكارية لا يستطيع فيها التعرف على قاتل، وأعني قاتله وليس مغتصبه، وربما لهذا محترمةً في أدائها لواجبها الأمني أنشأت شرطة السودان وحدة متكاملة لحماية الأسرة والطفل مكتملة بأطباء للنفس واختصاصيي علم اجتماع يساعدون ما استطاعوا الضحايا لتجاوز صدمة أول تحقيق وسرد للقصة المسيئة له - كما يعتقد - والمؤذية في سردها أكثر لأنه بذلك يعيشها مرتين! إن عدد المرات التي نصاب فيها بالغثيان الحاد والألم النفسي الكبير موزعا على الخوف والقلق والرغبة في الانتقام والحماية، وتفوق عدد سنوات السجن لمعتدي الأطفال الذين في سجونهم لا يتلقون العلاج اللازم - عصبيا أو نفسيا أو أجتماعياً - لذات الأسباب العرفية للمجرمين وربما أسوأ، فيخرج بعد قضائها مجرما اكتسب خبرات وأزمات نفسية واعتداءات أكثر من التي دخل بسببها السجن ويعود منتقما من المجتمع في صغاره! و في ظل هذه الحكومة الجديدة أو بالأحرى المتجددة - فهي فقط تحولات - نريد أن توّقع قوانين جديدة في ما يتعلق بشأن الاعتداءات على الأطفال وعلى كافة أشكالها وأحوالها، ليس للحفاظ على أرواحهم آمنة مستقرة اجتماعيا ونفسيا فقط،لكن لكي نحافظ على مجتمع محترم للإنسانية في أشكالها الاجتماعية والصحية والجنسية الطبيعية. والطبيعي لدى رهبان التبت في ممارستهم للمشي على مسامير حادة مثبتة على لوح خشبي على أنه من أنواع الرياضات النفسية بتنقية الروح لتحمل أو نسيان الألم وتجاهله بالترفع عن المادة الى سمو الروح، فإنه وكلما تمشي قصة اعتداء بإحداثياتها الحادة على أرواحنا وتثبت الأحكام مسامير العقوبة المخففة على أجسادنا نعرف أن مجرد المتابعة بالحديث والاستمرار في الدقّ على لوح العدالة العمياء إنما هو رياضة روحية تمكننا من الضغط على رغبتنا الانتقامية بالرضى والتعايش مع معتدي طفل في ذات المكان!!