{ إن الثقة التي يوليها لنا القراء والمتابعون بطرحهم لكثير من القضايا والمشاكل والموضوعات تجعلنا ونحن في الغالب لا حول لنا ولا قوة في وضع نُحسد عليه من العجز الضعيف حيث لا تبدو لناظرنا ملامح نهايات سعيدة لأكثر القصص ولا نستطيع بعد رؤية أو سماع القضية سوى فعل أضعف الإيمان أن نترك المساحة لها يقرأها معنا القراء الآخرون ويتغاضى عنها المسؤولون انصرافاً الى أشياء أهمّ من هموم الناس فعلى بساطتها لديهم إلا أنها تعني لدى هؤلاء الناس بلا شك الهمّ الأكبر، والحاجة التى إن قضت تعني لهم بلا شك النهاية السعيدة. { وسعادتي بالثقة في مساحتي اليسيرة هذه وفي صحيفتنا الوقورة (الأهرام اليوم) بانتشارها وانتصارها لكثير من الحالات المعروضة في التحقيقات المميزة والمتابعات المحترفة لقضايا الناس، هي سعادة مغلّفة بالحزن والقلق لّما لا تجد بعض الحالات الأخرى قبولاً أو فتحاً يضيف ضوءاً أخضرَ لصاحبها. { أما الأشارة الحمراء في قصة (خديجة) الأرملة والأم لخمسة أطفال دون السن القانونية للعمل، التي استوقفت تدفق الكلمات عندي ليس حزناً فقط إنما لأنها تشبه الى حد التطابق قصصاً أخرى تختلف التفاصيل الصغيرة والحبكة فيها لكن النهاية واحدة والحاجة واحدة والغصة كذلك! أضعها بين عيونكم وبين يدي المكاتب الإدارية لوزارة الشؤون الاجتماعية وبإنسانية ليعرفوا أن ما في خارج الملفات المعروضة على طاولات الانتظار بالوزارة والأعمال التنموية هناك الآف الأحزان المتعففة عن الحكي، يتبرع الناس ذوو القلوب الرحيمة والواسعة بمساحات الخير للآخرين بتمريرها عبرنا لهم كما فعل الأستاذ (يوسف محمد) وحكى عن خديجة قائلاً: { أولاً ما كنت أحسب أو ينبغي لمثلي أن يتطاول ويطلب موطأً لقلمه في عمودكم (في ما يتعلق) ولكن المأساة هي التي دفعتني لأمسك القلم وأسكب الدمع على الورق ليحكي شهادتي على قصة من الواقع وعزائي أنه جهد المقلّ. { (خديجة) في العقد الرابع من عمرها رزقها الله (5) أطفال من زوجها الذي ارتضت معه العيش في الغربة بحثاً عن حياة كريمة ومستقبل مشرق لأبنائهم. { وفي سنوات غربته لم ينسَ أن يؤمِّن لهم مكاناً في بلدهم ليكون لهم السكن الدائم بعد عودتهم. ولمّا كان لزوجها أبناء من زوجة أولى ويثق فيهم ثقة عمياء راسلهم مالاً وكلاماً للبحث عن قطعة أرض تكون بالقرب من الأهل والمدينة ليضع فيها رحاله وقد طمأنه ابنه الأكبر من ناحية الشراء والبيت. { لكن قبل أن يعود لينعم بالاستقرار بعد شقاء وغربة توفاه الله الى رحمته لتعود (خديجة) وأبناؤها الى البلد تحمل همها وأحزانها وقبل أن تعتاد الصدمة لفقد العائل والزوج والأب فاجأها الابن الأكبر له وأخ أبنائها أن البيت الذي تبلغ مساحته (500) متر لا يخصُّهم فقد قام بكتابته باسمه هو، وارتضت على أن هناك منزلاً آخر بقى لأبنائها. { لكن هذا البيت الكبير بدأ يضيق عليها بتصرفات ابن زوجها فتدخل الأجاويد وتوصلوا الى حل يقضي بأن تظل هي وأبناؤها في بيتها مع صغارها وينتقل ابن زوجها الى البيت الثاني وهو جزء من الميراث حتى يتم تقسيم التركة. { لكن ابن زوجها طلب أن تبقى الأشياء كما هي عليه وأنه سيتولى الإنفاق على تعليم وتربية إخوانه فهو لا يريد لعقد هذه الأسرة أن ينفرط ولكنه لم يفعل! فرفعت (خديجة) أمرها للقضاء العادل بعد أن عجزت عن تأمين حاجات أبنائها من بيع (البليلة) فقط! { وفي المحكمة أوجمت الدهشة الحاضرين معها لمّا علموا أنه ليس هناك ميراث ليقسّم!! وأن العقارات محل النزاع تخص ابن زوجها الذي استغلّ ثقة والده وقام بتسجيلها باسمه وتناسى قول الله عزّ وجلّ: «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا» سورة النساء (10). { ولم تتوقف مصائبها عند هذا الحد والمصائب لا تأتى فُرادى فقد تمّ بيع البيت عن طريق المزاد العلني بعد أن خسر ابن زوجها صفقة مع أحد البنوك كان قد رهنه له وجاء المالك الجديد لاستلام البيت وأخرج منه (خديجة) وأبناءها فتكرّم أحد المحسنين بتوفير مأوى لها وابنائها حتى يقضي الله في أمرها. { هذه صورة من الواقع تعيشه (خديجة) يوميا من حزنها على فقدان الزوج والمأوى وظلم ذوى القربى الذي هو أشدّ مضاضة من وقع الحسام المهنّد ومع ذلك تظل صابرة ترفع أكفها للمولى عزّ وعلى أن يقيّض لها من يقيل عثرتها ويثبت أقدامها وأبناءها في الدرب القويم، فمن من بعد الله لها؟ { وظننتك أنتِ وبعض الظن (عشم) رجائي أن لا ينفرط عقد هذه الأسرة وتتناثر حبيباتها في رياح الضياع، فثقتي فيكم طالما في قلمك حبر ينبض ولك من الأجر ما الله به عليم ولي مثله إن شاء الله. (أبو محمد) ** تعليق: { أولاً لابد أن أوضح للقراء في العموم أن (في ما يتعلق) هو مكان لكم بلا منازع فإن كان الله قد اختصنا بتأويل الحديث فمن باب شكره وحمده أن يكون لصالح أحلام وأماني الناس لا لصالح شهوات ذاتنا ومطالبها. { ولا يعتقدنّ أحد أنه ليس مرحباً به مهما بلغت صغر قضيته الناس بالناس والكل برب العالمين ثمّ هذا الظن والعشم ثقيل في حمله على كتفي بجانب أحمال وأوزار أُخر لهذا أتقاسمه مع النفوس الرحيمة والأيدي البيضاء وأولى الأمر منّا الذين تقلق عيونهم من نوم ليل وهم قلّة جداً قد يكون راعياً من رعاياهم فيه صاحب حاجة مُلّحة و(خديجة) على تشابه وإعادة قصتها ذات إلحاح وحاجة وعشم.