على غير العادة كانت الوزيرة الشابة سناء حمد حريصة على كسر حاجز الصمت والتحدث بصراحة عن قضايا الطلاب والإعلام والوطن وترك باب التحدي مفتوحاً على مصراعيه، كانت أسهل الإجابات عليها أنها لم تكن ترغب في المنصب الوزاري، ولكنها بذلك أرادت أن تختصر على الشباب طريقاً طويلاً من التوهان السياسي. سناء حمد تنتمى تاريخياً لقطاع الطلاب بالمؤتمر الوطني أو هكذا عرفها الناس، وهى من أسرة (البيلي) الشهيرة إلا أنها اختطّت مساراً مختلفاً لخدمة قضيتها التى تؤمن بها. اليوم هي أصغر وزيرة في الحكومة الجديدة ولكنها لم تلقِ عن كاهليها السلاح، تدافع عن قضايا الطلاب والحزب وشهداء الإنقاذ بجسارة لافتة. جلسنا معها في مكتبها بوزارة الإعلام وقلبنا معها العديد من الأوراق والملفات، كيف وجدت الوزارة؟ وهل صحيح أن الوطن مأزوم وحائر؟ وأن الإنقاذ أذكى من إعلامها كما يزعم الأستاذ حسين خوجلي؟ وماذا عن حرية الإعلام والتعبير؟ ولماذا فشلت الإنقاذ في صناعة آلية إعلامية قادرة على مواجهة الدعاية الغربية والتعبير عن مستوى الحقائق الكبرى؟ بهذا الأسئلة خرجنا بالوزيرة من حالة الصمت التى كانت تلوذ بها إلى صفحات (الأهرام اليوم).. فإلى مضابط الحوار: { في أول الأمر كنت رافضة تماماً فكرة تولي المنصب الوزاري ولكنك آثرت أن تأتي في هذه الحكومة، ترى ما هو السبب؟ أنا لم تتم استشارتي لأوافق أو أرفض، كنت خارج البلاد ساعتها، وأُخطرت بأنه تم اختياري في الحكومة الجديدة وكان الرأى السائد بعد ذلك أن الاعتذار معيب وهذا تكليف في مرحلة حرجة وهذا تحدٍ لأي شخص، وليس هنالك من يقبل التكليف عن رضا فهو مسؤولية وأمانة لها أبعادها التاريخية هذه المرة، كنت بين شعورين: الأول يكمن في الانتباه بأن هذا تقدير محمود يجعلك تشعر بالفخر والمسؤولية، والشعور الثاني هذه ليست رغبتك وممزوجة بالتوقيت المخيف واللحظة التاريخية المخيفة، والسودان تحدياته كبيرة، مع ملاحظة أخرى أضيفت لي بأنني عاملة اختراق لجيل كامل ولو اعتذرت سوف أقفل الباب أمام الشباب، ولذلك كان قدر الله أنفذ. { من أين نبعت تلك المخاوف، هل لأن الوزارة مسؤولية تترتب عليها أعباء جديدة أم لأن الاختيار في حد ذاته كان مغايراً لمسارك الشخصي؟ منذ البداية لم تكن في خطتي الوزارة وأقصى طموحى كان هو نيل الدكتوراة والتدريس في الجامعة أو أن أعمل في أحد مراكز الدراسات وهى الأماكن الحقيقية التي يُصنع فيها القرار وتُصنع فيها الجيال، وربما لأنني من أسرة معظمها إما قضاة أو أساتذة في الجامعات وأنا أيضاً متابعة للساحة السياسية ومواكبة لما يحدث فيها والجميع يعلم عظم المسؤولية في هذه اللحظة والسودان مقبل على تقرير المصير؛ دولة كما هو في الخريطة منذ الاستقلال أو يتحول لشكل آخر بعد انفصال الجنوب لا قدر الله وبالتالي تصبح هذه الحكومة راسخة في ذاكرة التاريخ السوداني إما حققت الوحدة أو حدث في عهدها الانفصال. { بالنسبة للوزارة، ما هى المطلوبات الإعلامية المُلحة في ظل الظروف التى يعيشها السودان؟ أولاً لا ننسى أن الوزارة في حد ذاتها مسؤولية كبيرة وقد تكون في ظرو ف السودان هي أكثر صعوبة فهو بلد يشهد تحديات في التنمية والاستقرار والخدمات وصناعة دور جديد إقليمي وعالمي والمساهمة في وزارة كالإعلام أخطر لأنها في وجه المدفع. { طوال عمل الإنقاذ لم تكن تحتفى بالتجارب الشبابية والدفع بهم في مواقع وزارية فما الذي جدّ هذه المرة حتى تحفل الحكومة بهذا الكم من الشباب؟ الإنقاذ والمؤتمر الوطني في التشكيل الوزاري وبهذا التمثيل الشبابي في تقديري رجعوا لسيرتهم الأصلية، قدم الإسلاميون علي عثمان محمد طه وهو في التاسعة والثلاثين من عمره زعيماً للمعارضة وكانت الكتلة النيابية للجبهة الإسلامية في البرلمان غالبها من الشباب إلا بضعة شيوخ وحكومة الإنقاذ حين قامت كان من أكبر الناس سناً فيها العميد عمر حسن البشير وكان في السادسة والأربعين من عمره، المجلس الوزاري الأول كان يغلب عليه الشباب، لكن في السنين الاخيرة ربما حرصت على أهل الخبرة دون تطعيم، والمزج الآن بين الخبرات والدفع بهم يعبِّر عن ثقة في جيل الشباب وجدارة اكتسبوها من خلال أعمالهم وجزء منهم في الفترة الماضية اكتسبوا خبرات متخصصة، والتشكيل الوزاري في تقديري قصد منه أن ننظر للغد. { سناء قادمة من القطاع الطلابي وطلاب المؤتمر الوطني متهمون بأنهم مجرد ظاهرة (هتافية) ربما لا تصمد وسط طوفان من المسؤوليات الكبيرة، بماذا تعلقين؟ بالنسبة لقطاع الطلاب فمن يرى أن قطاع الطلاب موجود لإعلاء صوته في المظاهرات والتعبئة السياسية والبرنامج الهتافي هو لا يعلم شيئاً عن قطاع الطلاب، هذا القطاع التاريخي الذي ظل متماسكاً منذ الأربعينات بالنسبة للإسلاميين وهو القطاع الذي خرجت منه معظم القيادات الموجودة الآن حتى التى فارقت جسم الحركة الإسلامية وهم الآن في عدد من الأحزب الأخرى وقطاع الطلاب هو واحد من القطاعات التى لديها عدد من المؤسسات الإعلامية والتدريبية والثقافية وهو القطاع الوحيد المركزي داخل المؤتمر الوطني، كأنه دولة داخل دولة وحزب داخل حزب، انتشاره على مستوى السودان في التعليم العام ومؤسسات التعليم العالي، خوضه لحملات انتخابية شرسة داخل الجامعات واكتساحه للمنابر الطلابية وهو لديه علاقات خارجية ممتدة... { مقاطعة: ولكن الإسلاميين في الجامعات تميَّزوا بالعنف وعُرفوا بأنهم أول من أدخل السيخ في الجامعات؟ أبداً.. الحديث عن العنف ربما كان صوت اليسار أعلى وربما كان صوت المعارضة أعلى، ولكن من هم ضحايا العنف؟ أنت تقيس بالنتائج، ظل ضحايا العنف على مدى التاريخ الطلابي من الإسلاميين وأول ظواهر العنف بدأت في (1982) في كلية الزراعة جامعة الخرطوم وكان أول ضحاياه الشهيد الغالي وكان القاتل يسارياً معروفاً مروراً بأحداث بلل والأقرع متهم فيها أحد السياسيين المعروفين انتهاءً الآن بحادثة الشهيد أسامة في جامعة السودان وقبله الأخ المعز والمتهم فيها أحد المتحدثين الأساسيين في الحركة الشعبية. هنالك في أحداث العنف ضحايا آخرون لكن ظل الطلاب الإسلاميون هم الذين يدفعون ثمن أحداث العنف. { ولكن الهوس الديني وإثارة العنف ظلت اتهامات ملتصقة بطلاب المؤتمر الوطني على مدى طويل من الزمان؟ السودان كله ليس فيه هوس ديني، وطلاب المؤتمر الوطني عندهم قضايا ومسلّمات أساسية معلنة ومعروفة، مثل الشريعة الإسلامية والجهاد والمرجعيات الفقهية، وسابقاً كان هنالك حوار مع الجمهوريين بخصوص الأصول، الهوية السودانية والعلاقة مع الجنوب هي قضية مفتوحة مع البعثيين، وربما ينزلق الحوار بخصوص الدولة العلمانية مع اليسار إلى مرحلة العنف، وهنالك جدل مستمر بخصوص التطور والحداثة مع أحزاب الوسط. { في نفس الاتجاه هنالك من يقول إن الانقاذ استخدمت الطلاب وقوداً للثورة أيام الحرب والجهاد وتمّ استغفالهم؟ الاستغلال دائما لفظ يطلق على جهة عاجزة عن اتخاذ قرارات لأي سبب، ونحن هنا نتحدث عن فئة مستنيرة، وعندما نتحدث عن الجهاد نتذكر صفوة الإسلاميين الذين شاركوا في الجهاد في الجنوب بناءً على قناعات مؤسسة على بُعد ديني ووطني والتزام أخلاقي باعتبارهم أصحاب رسالات، ومن جهة أخرى كانت الخطابات التى تبثها الحركة الشعبية دافعاً آخر؛ فهى كانت تتكلم عن السودان العلماني وأحياناً المسيحي، وتتكلم عن أن الإسلام خرج من الأندلس بعد (800) عام ومن السهولة يخرج من السودان بعد (500) عام، وهو كان خطاباً استفزازياً واجهه شباب الإسلاميين، وهم خيار من خيار، فلا يمكن أن يدعى البعض أن عبيد ختم وعلي عبد الفتاح ومحمود شريف كانوا مستغلَّين ومستغفَلين، ولا يمكن أن تتحدث عن وزير خرج من مجلس الوزراء وجاهد في سبيل الله مثل محمد عمر أنه مستغفَل، وإنما الشباب كان أكثر استنفاراً. { حسناً.. دعيني أطرح لك السؤال بشكل آخر: أيام الحرب كان صوت الشباب والطلاب هو الأعلى وفي زمن السلام أصبح صوتهم باهتاً ولا يكاد يلامس متطلبات المرحلة، لماذا؟ أنا لا أعلم هل بروز دورهم يُقاس بالدسك الحكومي أم لا، ففي مفاوضات السلام استصحب الشباب والطلاب، كنت من الذين شاركوا في نيفاشا، أليسع عثمان قاسم كان ممثلاً للشباب وشارك في نيفاشا، وكذلك سامية محمد عثمان، وجزء من الأشخاص الذين أداروا ملف السلام بصورة مباشرة حينها كان محمد مختار وإدريس محمد عبد القادر وأمين حسن عمر، كلهم كانوا دون سن الخمسين ولم يكونا شيوخاً، وفي أجهزة المؤتمر الوطني كان الشباب موجودين في أماكن مختلفة، ولذلك فالعدد أكبر مما هو موجود في أمانة الشباب والطلاب وهى أمانات مختصة لا يُحصر وجود الشباب فيها، لكن ممكن نقول في الفترة الماضية لم يكونوا موجودين في مجلس الوزراء بنسبة معقولة. { حتى هذا العدد المقدر لم نسمع لهم مبادرات للعمل من أجل الوحدة أو التواصل مع شباب وطلاب الجنوب؟ الآن لو تابعت الصحف هنالك حديث عن تكوين اتحاد الطلاب في جنوب السودان بالتعاون مع الاتحاد العام للطلاب السودانيين، والحكومة عندما بحثت عن أذرع قوية للشراكة والعمل للوحدة لم تجد غير أمانتيْ الطلاب والشباب في الجنوب بمقراتهم وشخوصهم وبرامجهم ومناشطهم، وجزء كبير من الزخم السياسي الذي حدث للمؤتمر الوطني أيام الانتخابات كان وراؤه الشباب والطلاب وهذا ما ذكره رئيس الجمهورية في خطابه بعد الفوز بولاية جديدة بأرض المعارض. والطلاب الجنوبيون في ولاية الخرطوم هم جزء أساسي من الاتحاد العام للطلاب السودانيين، ومن المعروف أن المسؤول السياسي بولاية الخرطوم طالب من جنوب السودان، ورئيس اتحاد جامعة السودان طالب جنوبي وهو عبد الرحيم دانيال، والمسؤول الخارجي في الدورة السابقة طالب مسيحي من جنوب السودان، ومنظمة السلام والتنمية واحدة من أهم وأنشط المنظمات التى تعمل في الخرطوم... و... و... { في تقديرك ما هى القيمة المضافة التى يمكن أن يمنحها الوزراء الشباب للحكومة الجديدة؟ افتكر أن أهم قيمة مرتبطة بطاقة الشباب، المقدرة على الحركة وتجاوز البرتوكول التقليدي للخدمة المدنية بتجاربهم التى اكتسبوها من الداخل والخارج يمكن يضخوا أفكاراً ومبادرات جديدة على الوزارات، ومطلوب منهم في تحدي الوحدة ملء المساحات الشاغرة باعتبارهم أكثر مقدرة وجرأة للنزول بوزاراتهم للمواطن العادي بالبرامج والخدمات والسياسات، وهم قادمون من مناطق مختلفة من السودان وهم حديثو عهد بالحكم وستكون لهم حرية إلى حد ما أفضل من الآخرين؛ حرية في العلاقات، حرية في الابتكار. { ولكن هذه الحداثة قد تجعلهم على معرفة متواضعة بالقوانين ولوائح الخدمة المدنية مما يدخلهم في صراعات مع أطراف أخرى؟ في مثل حالتهم هذه اعتبرها قيمة إيجابية، وقبل ما يؤطروا يمكن أن يضيفوا ويعملوا اختراقات حقيقية لصالح الوحدة ولصالح البرنامج الانتخابي الذي التزمت به الحكومة. { من خلال الجولات الأولية التي قمتِ بها في مرافق الوزارة، ما هو الانطباع الذي ترسخ لك وما حجم المشكلة داخل قطاعات الوزارة؟ وجودي في وزارة الإعلام لا يتجاوز العشرة أيام، وبالتالي لن أكون عادلة إذا تحدثت عن حكم على الأفراد أو المؤسسات، لكنني اكتشفت أنه عندنا إمكانيات حقيقية لعمل مميز في قطاع الإعلام، زرتُ وكالة سونا للأنباء وهي وكالة تستحق أن يتشرف بها الشعب السوداني عموماً وقبيلة الإعلاميين وبها أفضل مركز تدريب، ومن المؤسف أن لا يُستفاد من النشرات المتخصصة و(سونا) مؤسسة قومية رائدة، وهنالك كودار موجودة وإمكانيات متوفرة، فقط نحتاج لشكل من أشكال التنسيق. نواصل