{ هي محنه إنسانية كبيرة أو لعلها واحدة من علامات الساعة إن لم تكن جريمة أخلاقية لا يكفي للقصاص منها أقسى وأشد العقوبة أن يتخلى الشخص عن (حتّة) منه في لحظة ضعف أو أنانية. { والحتّة التي أقصدها هي الجنا أو الوالد، والأول التخلي عنه غالباً ما يكون نتاج خطيئة يخشى مرتكبوها الفضيحة وشيل الحال فيستران نفسيهما (برمي) هذا المسكين الوليد الذي لا يدري كيف جاء ولماذا جاء؟ وما ذنبه أن يكون ابناً للخطيئة. { لكن وإن كان المبرر لرمي هذا الكائن المسكين هو الخوف من الفضيحة فإن الفضيحة الما بعدها فضيحة أن يرمي شخص والده أو والدته أو حتى عمّاً له أو خالاً في دار لإيواء العجزة بعد أن يكون قد بلغ به العمر عِتياً. { قد أكون استغربت للوهلة الأولى عند سماعي أن بالسودان داراً للمسنين والعجزة ونحن بلد عُرف أهله على طول تاريخهم بأن حيشانهم مفتوحة وأسرتهم ممدودة ومتمددة في العراء ليتكئ عليها أي متعب عابر بالطريق. { وعُرفنا بأننا نعزم ونحلف على المويه في كرم مُحيِّر فماذا حدث لتعمى قلوب بضعهم للدرجة التي يمكن أن يتملص من جلده في سلوك (أفعوي) سام ليرمي بأمه أو أبيه في دار للعجزة. { ويا سبحان الله! ربنا ده حكمته بالغة فالمحنَّة التي اُنتزعت من قلوب ذوي القربى لهؤلاء وضعها الله في قلوب بعض من لا تربطهم صلة الدم ولا حتى المعرفة بهم فوهبوا وقتهم لرعاية شؤونهم وتفقد أحوالهم، كالست إحسان التي لم ألتقِها حتى الآن وجهاً لوجه؛ إذ أن حديثي معها دائماً عبر الهاتف وإن كنت ومن خلال صوتها المليء بالمحبة ودفء كلماتها قد كوّنتُ لها صورة في خيالي تشبه إلى حد كبير وجه أمي وحكمة جدتي وهي تحمل همهم وكان آخرها توفير دار لهم بالإيجار حتى يكتمل إعادة تشييد الدار التي تتبع لوزارة الرعاية الاجتماعية. { وللأمانة أذهلتني بهذه المسؤولية الإنسانية الكبيرة التي حملتها نفسها وهي تحدثني في اليوم الواحد أكثر من خمس مرات لتحكي لي مشت وين وعملت شنو!! وكلمت منو! وعلى فكرة هذه التحركات كانت في أشد أيام الصيف سخونة وحرارة لكن بشراك يا إحسان ب«همبريب» الجنة وجزاء المحسنين. { بالمناسبة حتى الآن ورغم أنني عزمت وتوكلت أكثر من مره أن أزور دار رعاية مجهولي الأبوين ودار المسنين إلا أنني كنت (أزوغ) ممن اتفق معهم على الذهاب لأني عارفة روحي وممكن أصاب بأزمة نفسية قد لا تفارقني لأسابيع. { لأنه مُحبط ومؤلم، واسمحوا لي أن أقول إنه (مقرف) أن يرمي الواحد ابنه أو أمه أو أباه وهو لا يدري كيف نام وعلى أي حال صحا أو دون أن تداهمه الأسئلة لتقطع عليه لذة نومه أو لحظات ضحكه مع العيال وأمهم: يا ربي المرمي هناك ده أكل وللاّ شرب؟ بردان وللاّ دفيان؟ { أخ من زمن يقلع الناس فيه قلوبهم ويضعوا مكانها ماكينات فقط لتضخ الدماء دون أن تحس أو تشعر أو تتوجع لأنه مستحيل مستحيل وألف مستحيل أن يتخلى (بني آدم) عن أهله وهم في أمسّ الحاجة إليه وتذكروا المثل القائل (التسوي في والدك يقالدك). كلمة عزيزة { حرصت جداً أن أكون حضوراً في تكريم الأستاذ شيخ النقاد ميرغني البكري في صالة الملكة وحرصي على الحضور لم يكن فقط من باب الاهتمام بالشأن الفني أو للحضور في مثل هذه المناسبات ولكن لأنني شخصياً أحمل محبة وتقديراً للأستاذ ميرغني الذي هو بكل المقاييس قلم متفرد في الفكرة وفي الطرح والأهم من كل ذلك أن البكري رجل نظيف الدواخل ليس لكتاباته إطلاقاً علاقة بالشخصنة أو الحقد على أحد أو تصفية حسابات مع شخص، وأحسب أن التكريم المعنوي والتفاف الحضور حول البكري أمس الأول يعني له الكثير لأنه ليس كافياً أن نكرم الشخص بعد وفاته أو حتى نقلد أسرته النياشين وأنواط التقدير والجدارة فالمهم أن يُكرم الشخص في حياته ليشعر بأن ما قدمه له صدى وأنه أثّر في مجتمعه وفي مهنته إيجاباً لدرجة التكريم وهذا بالضبط ما شعرته ولمسته في وجه أستاذي البكري الذي كان «يقدل» بالجلابية البيضاء مكوية وهو ناير الوجه متبسماً وكأنه عريس في ليلة زفافه. فالتهنئة لك أستاذنا ميرغني ولازلنا ننتظر منك الكثير وأنت تمتلك ذاكرة متقدة وذكريات ثرة يستحق أن يسمعها هذا الجيل وكل سنة وأنت طيب!! كلمة عزيزة { التقيت في تكريم الأستاذ ميرغني البكري بالأستاذة الإذاعية منيرة عبد الماجد التي شرفتني بالمجيء حتى مقعدي الذي أجلس عليه مبدية إعجابها بما أكتب والأستاذة منيرة لازالت تحتفظ بجمال الوجه ونداوة الصوت فلماذا تُمنح معاشاً إجبارياً وعطالة مقصودة وهي لازالت قادرة على العطاء وأجزم لو أنها مُنحت الفرصة لكانت أفضل مائة مرة ممن يصغرنها سناً وبالتاكيد خبرةً واحترافاً.