{ هل الأفكار والأطروحات كالأشجار تشيخ وتذبل وتفنى، وهي تبدأ بمراحل نشأة وترعرع، ثم تمر بمراحل شباب ونضار وإبهار، وذلك قبل أن تعتريها سن اليأس وسنن التقاعد، وبين يدي «الحركة الإسلامية» ومشروعها الفكري؟، وهل تعتبر حالة «الانشطار الشهيرة» التي تفرّقت فيها العضوية بين المؤتمرات والاعتزال والابتعاد، هل تعتبر بمثابة التاريخ الرسمي لبداية نهاية هذه الأطروحة؟. الذي يدفعني إلى طرح هذه التساؤلات المقلقة هو أن كل الكيانات والمسميات والأشكال التي طُرحت بعد المفاصلة لم يُكتب لها النجاح، وقد تكون حققت بعض الأهداف المحدودة إلا أنها فشلت في أن تجعل الحركة حالة جماهيرية كما كان في الماضي، سيما وأن الكل يزعم بأنه يمتلك «النسخة الأصل»، من المشروع والمشروعية. وإذا أردت أن تُقيّم حيوية وحياة ومستقبل أي مشروع، فبإمانك النظر في حالتين اثنتين، الحالة الأولى هل هذا المشروع مازال قادراً على جذب واستيعاب وتجنيد الكوادر الشبابية عبر الجامعات والثانويات، فكل الأطروحات تتغذى من أسفل، على أن عمليات انقطاع التجنيد والتجديد القاعدي تجعل هذه الفكرة موقوفة عند أجيال بعينها، وحتى إذا مضت هذه الأجيال فإن هذه الفكرة تمضي وتُدفن معها، والحالة الثانية التي يمكن أن تقيس بها نبضات قلب أية أطروحة، فهذه الحالة تتمثل في فعالية مؤسساتها، وكنت أتأمل في حالة المؤسسات التقليدية لمشروع الحركة الإسلامية، أحد المصارف الإسلامية التاريخية بوسط المدنية، وكان بمثابة المشعل لهذا المشروع، الآن بالكاد يعجز في أن يدهن إطاره الخارجي كما يعفل الآخرون، وكانت مؤسسات الحركة من الفعالية ما أهلها إلى أن تلوّن كل «المدى الترابي» وغير الترابي بألوان الفكرة والحياة، لقد سجلت في فترة سابقة زيارة إلى منظمة الاصلاح والمواساة الشهيرة، فوجدتها قد تحولت إلى «كمينة» لصناعة الطوب الحراري، وأنها نفسها تحتاج لاصلاح وأن شغّيلتها من الدعاة السابقين هم في أمسّ الحاجة إلى «مواساة»، يمر عليهم الشهر والشهران ولا يقبضون رواتبهم، منظمة الدعوة الإسلامية لم تكن بفعالية مواسم الفقيد مبارك قسم الله، ولا بحيوية الشهيد عبد السلام سليمان، لقد تراجعت كثيراً، فلما كان الإسلاميون فقراء لا يملكون دولة ونفطاً، كانت مؤسساتهم غنية بعطائها، ولمّا أصبحوا أثرياء افتقرت مؤسساتهم التاريخية وذبلت، الذين يُعملون النظر في سنن المشروعات الإنسانية والتحوُّلات الفكرية والاصلاحية لا يندهشون، وإنما يسلمون أمر تفكيرهم وتأملاتهم إلى سنن الله في خلقه، والثابت من السنة الشريفة المطهرة أن على رأس كل قرن جماعة اصلاحية، فالحركة الإسلامية التي شغلت القرن الماضي بأطروحات، وأنها قد بدأت بالفرد ثم الأسرة، ثم الحي ثم الحزب إلى أن أصبحت دولة وظاهرة، فإنها الآن لا محالة تبدأ في نزول الدرج حلقة حلقة. { رأيت أن أقول للذين ينفخون في «قربتنا القديمة» أن يستريحوا قليلاً، فالآباء المؤسسون لهذه الحركة الذين هم الآن فوق عمر النبوة، فإن أسعفهم الفكر والطرح، فالسنون لا تسعفهم، فشيخ حسن الترابي «عبقرية هذه الحركة وأسطورتها» وسلطان زمانها قد وصل الميز، وكذلك إخوانه الآخرين في الجانب الآخر. فيجب ألا نعتقل سنن التاريخ وقيم تعاقب الأجيال والأطروحات في شكل وشخوص بعينهم. { المرحلة القادمة في تقديري ستفرز حالة مشكلة من «الفكر السلفي والحركي» لتملأ الأرض عدلاً وحياة كما ملئت فراغاتها بالتقاعس والانتظار، أرجو أن نتحرر ولا نقف في وجه عجلة التاريخ. والله أعلم