سعدت كثيراً أن يكون الشاعر القامة السر عثمان الطيب ضمن الكُتّاب ب(الأهرام اليوم) وقد قرأت له ثلاث مقالات ووقفت في كتاباته عن الروائية أحلام مستغانمي وهو يتحدث عن رواية (ذاكرة الجسد) والتي أُهديت له حيث قال هنا وعن هذه الهدية أنه لم يستقبل هدية أفرحته منذ العيدية التي قدمتها له والدته، ثم تأتي (ذاكرة الجسد) في المرتبة الثانية بعد العيدية. أما مقاله والذي كان بعنوان (الفجر سكن المقابر) فاستطيع أن أقول هنا بأنني كنت شاهدة على العصر.. فالفجر هذا كان يدرس الثانوي بكورتي بالولاية الشمالية وكان منزلنا شمال المدرسة فكان الطلاب الذين يقطنون داخليات المدرسة اعتادوا على أقامة الحفلات يومياً وخاصة يوم الخميس. فالشاعر محمد أحمد الحبيب قد كتب في قصيدته (الفجر سكن المقابر) حيث قال: في زمانا الكنا نقرأ وكان عباس في مدارس كورتي ناظر وكان معانا صلاح وحاتم كنا نملأ الدنيا ضجة ويرجع الصدى في العنابر نعم كانت الدنيا تمتلئ بالضجة ولكن الصدى ليس في العنابر كما قال الحبيب ولكنه كان في منزلنا.. كان أهل الحي يتضجرون من هذا الأزعاج المتكرر ولكن لا حياة لمن تنادي إلى أن رحل الفجر إلى الدار الآخرة ليلاقي ربه شهيداً في إحدى معارك حرب الجنوب بعد أن أسماه زملاؤه باسم (الفجر). وكما قال الشاعر السر عثمان الطيب بالفجر لأنه كان يصحو مع الفجر ويقوم ببيع البامية الخضراء وعندما يفرغ من بيعها يكون وقت الذهاب للمدرسة وقد كان الطلبة في الماضي موهوبون جداً.. كانت العطلة الصيفية لها معانٍ ومدلولات كبيرة لديهم، الاطلاع كان من أولى الأولويات لذا فنجدهم يكتبون الشعر.. الشعر الجيد وهم لم يتجاوزوا العشرين من العمر (فمحمد أحمد الحبيب) معروف بشعره وقصائد ياعابرة تشهد على ذلك: ياعابرة انتِ سراب لكن حقيقية جواي بين البين لاك ميتة لاك حيه فاعتاد أن يبدأ قصائده بعابرة وذلك على شاكلة شعراء المعلقات والتي يبدونها بالبكاء على الأطلال ثم يذهبون إلى كتابة مايريدون.. فعابرة هذه على ما يبدو تدعو (أماني) والتي فصلت لاحقاً كما فصل عنتر بنت مالك «بعبلة» فيقول الحبيب: يادار أماني سلام بالشوق عرفناك قول ليها غيث في الباب مستني لقياك راجيك رغم الكان لو عندك النية فمعذرة لطلاب اليوم الذين لاحس لهم وكما يقول أهلنا بمصر (لايهش ولاينش) أي لايشارك سواءٌ سلباً أو إيجاباً.. فحقيقة أني مشفقة على مستقبل بلادي .. فالأجيال الحالية معظمها لايجيد الكتابة الصحيحة حيث تكثر الأخطاء اللغوية والإملائية. فالأجيال السابقة لهم كان ديدنها الاضطلاع ومعرفة كل مايدور حولنا.. فالآن انتهى عهد المكتبة وعهد الاحتفاظ بخير الأنيس الذي كما قال الشاعر هو الكتاب. (فخير أنيس في الزمان كتاب) .. فعلى الأسرة والمدرسة أن تعلم النشئ أهمية القراءة والاضطلاع فبدلاً من الجلوس أمام الفضائيات لساعات طوال علينا أن نقرأ كتاب لنتزود بالمعرفة. وأخيراً نشكر جداً السر عثمان الطيب والذي قادتني كتاباته للتذكير بأهمية الاضطلاع وللسر نقول: تربالك أنا الكاتلت حوضك من سموم الأفعى.. ماما من نيل المحبة دلقت سقياك ما مقطعة ترعه.. ماما أنت النخلة شايلة غرامي في أحشائها تسعة وتسعة لا أشتكى من تقل عرجونا لا أشتكى عودها يوم من وجعه .. ماما