زمان ونحن صغار بالمرحلة الإبتدائية وتحديداً بالصف السادس، درّسونا وفي حصة الجغرافيا أهمية الصمغ العربي وكيف أن السودان يُعد أكبر دولة لإنتاج الصمغ ينافسه في ذلك الإنتاج الكبير نيجيريا وتشاد، وكيف أن نسبة إنتاج السودان من الصمغ تصل إلى النسب الكبرى وهي ما تعادل (80%) من إنتاج العالم. هذا الحديث من أستاذ مادة الجغرافيا ربطته بحديث آخر كان قد شرحه لنا نفس الأستاذ في امكانيات السودان الكبيرة في مجال إنتاج الثروة الحيوانية وأن السودان يحتل المرتبة الأولى عالمياً. ومن وقتها جعلتني أتباهى بهذا العمل وأصبحت كثيرة الإهتمام بشجرة الهشاب وتعرّفت عليها عن قُرب لأكتشف الصمغ الكثير الذي يحتضنه لحائها.. تذوقته وجرّبته لذيذ جداً ولكني فجأة تذكرت حديث الأستاذ بأن السودان يعتمد على الصمغ كمحصول نقدي يعود بالدولار لخزينة البلاد وكيف أن العالم بات ينتظر إنتاج السودان بل ويتعاقد من وقت مبكر للشراء حتى لاتضيع فرصته من الصمغ السوداني الذي يتميز بالجودة.. عندما تذكرت هذا الحديث الطيب عن الصمغ أرجعت (كعكول الصمغ) إلى مكانه حتى يستفيد المنتج الذي يرعى هذه الشجرة الطيبة حيث ذُكر الصمغ في القرآن قال تعالى:«وأنزلنا عليكم المن والسلوى». والآن للأسف الشديد هذه السلعة المهمة تعاني الأهمال الكبير من قِبل الدولة فتارة يتم تكوين لجنة لتنظر في أمر الاختيار لشركة الصمغ العربي وتارة أخرى تعلن الاختيار حتى ضاعت هذه السلعة من أيدينا وفقدنا السوق العالمي واندثرت الكلمات الطيبات التي درسناها عن الصمغ العربي.. فالأطماع في هذه السلعة من قِبل التجار هو الذي أودى بها ودفنها وهي حية وفي ريعان شبابها. نعم قتلت ولاذنب لها.. فالبرغم أن الكل يعرف أن سلعة الصمغ لاتكلّف كثيراً أو قُل لاتكلف نهائياً إلا أنها ضاعت نتيجة للصراعات والمصالح الشخصية، وضاع المنتج الذي ظل يراعي هذه الشجرة من (الفأس) وكلكم تعرفون القصة الشهيرة عن (الفأس والشجرة).. الفأس هي أيدي المنون والشجرة هي شجرة الهشاب التي يخاف راعيها من الفأس التي حتماً ستقضي عليها. فالسودان عالمياً كان معروف بالصمغ والقطن وكان له تجاره المعروفين من مختلف دول العالم.. فالقطن الآن تقلّصت مساحاته في ظل تذبذب السياسات وتغير التركيبة المحصولية.. فقدنا أسواقنا ومشاريعنا التي تغنت للقطن. فالصمغ كذلك الآن فقدنا أسواقه ولا أظن أن الشيء الذي تفقده سيعود إليك بالساهل وإذا أردنا أن نعيدها فإن ذلك سيكلفنا الكثير من سفر لوفودنا من أجل إقناع الآخرين الذين يحبون جداً الصمغ السوداني فردهم بلا شك سيكون كيف نعود ونحن مقتنعين ولدينا قناعة كبرى بأنكم غير ثابتون في سياستكم!.. فعدم الثبات هو الذي حركنا لدول أخرى.. يا للحسرة ونتحسر أكثر عندما نعرف بأن صمغنا السوداني يتم تهريبه لدول أخرى لتقوم هي الأخرى بتصديره للسوق العالمي. فالكرة سادتي مازالت في ملعبنا إذا نحن بدأنا في إعادة الحياة لشركة الصمغ العربي وإنعاشها وتوفير التمويل اللازم لها لتدخل منافساً في الشراء من المنتجين. فالآن كل شيء بحاجة إلى مراجعة. فعمال الشركة توقفت رواتبهم لشهور عددا ومازالوا يطالبون حتى تدخلت المالية والتزمت بمتأخرات العاملين في الفترة القادمة.. الآن صرف العمال مرتب شهر ونصفه. فالحلول الجزئية غير مجدية فلابد من التحرُّك لإنعاش الشركة أو الإعلان الرسمي بعدم جدوى الشركة وترك السلعة في الهواء الطلق لنشتري بدرة صمغنا من (بره) كعلاج لمرضى الكُلى كما أكدت الأبحاث الطبية.