هذه القصة أو الحكاية وبشكل خاص مهداة وبكل ما فيها من هرطقات مجدية أو غير، إلى السادة والسيدات أصحاب الضمير وهم في مقاعد ومناصب حاكمة - ولو على كرسي بيتي مهترئ البلاستيك من كثر الجلوس عليه - حيث أصبحوا من الكائنات النادرة مؤخراً، انتبهوا خلفكم من الذي يأتي، فمن يجيء أمامكم لا شك يحمل ضميراً يمنعه الغدر الخلفي! وهي مهداة للذين هم مصابون - والعياذ بالله - بمرض موت الضمير، الذي يجعل مريضه في حالة من اللامبالاة لكل ما يفعله عن عمد وقصد في حق الآخرين. انتبهوا أيها السادة والسيدات أصحاب الضمير الميت من الذي أمامكم - غالباً الحساب ويومه الذي لا يعلمه أحد - فمن خلفكم يقبع كثيرون يتمثلون بمثلكم وأخلاقكم الميتة! { القصة: في حياته الجديدة كرجل مسؤول وثري أصيب ب (أكولة) غريبة كالتي نحسها حين اقتراب شفاء جرح جلدي وبداية تكوين الطبقة الجافة التي ستغادر حال لمّ شمل الجلد الجديد. الغريب أن جروح الروح لا تشعرنا بتلك (الأكولة) فهي لا تلتئم سريعاً أو أبداً ..! مقطع شعري: (كل الجروح بتروح إلا التي في الروح...) محجوب شريف. لم يخبر السيد المسؤول الثري زوجته، فهي لا تهتم مؤخراً غير بجمع الشحوم على كافة مناطق جسدها بما فيها العقل.. وجمع ما تيسر من المصوغات الذهبية في مناطق متعددة من جسدها كذلك.. أما هوايتها المفضلة فهي الإنجاب بلا حساب، ومتابعة برامج التلفزيون بلا عيون، أما أكثر هواياتها قرباً لقلبها فهي النميمة بعد الرابعة مساء على الهاتف السيار المشحون دائما بقصصها الكبيرة والعجيبة في السيدات الأخريات صاحبات ذات الاهتمامات وسيدات ذات الرجال المسؤولين! لم يخبر أحداً من أصدقائه الذين ما أن وطأوا أيادي بعضهم بالسلام حتى باشروا عملية زرع إبر الشكوى في جميع أنحاء ونستهم.. بين ضربات أوراق الكوتشينة وأكواب المزاج من شاي وقهوة و..(الذي منو) والذين لا يتوانون في نقل مشكلته إلى درجات عليا قد ترى فيها عدوى محتملة تضر بمصلحة الدولة العليا أيضا فيضطرون آسفين إلى نقله لأية دولة بعيدة جداً للاستشفاء والانزواء! والآخرون والأخريات الذين يتصادف هو معهم في عمله الجديد فهم إما منهمكون في إرضائه أو متملقون لإرضائه أو متسلقون للوصول إلى رضائه، بعض الأخريات فقط يتمرغن في رضائه بعيداً عن هجير زوجته ذات الشحوم وغزوات الهجوم! و(الأكولة) وصلت به حداً من (الهرش) لم يعد قادراً معها على الجلوس بضعة دقائق دون الحك الممتع والغريب في ذات الوقت.. والحالة في استمرار غريب مع صعوده درجات الترقي في عمله وثرائه الجديد، لهذا قرر أن يحمل ما تبقى من تواضعه البعيد ويذهب به إلى صديقه القديم الطبيب، الذي رغم أنه ما زال موجوداً في سجلات الحياة الأ أنه فقد الاتصال به بعد مخصصاته الجديدة! وتخصص صديقه الطبيب كان في أمراض الجلد والأوبئة المستعصية لحسن حظ سعادته.. فقال له بعد أن أنهى بروتوكولات السلام والاعتذار والملام، حيث أنه يلومه في عدم حضوره مراسم منصبه الجديد وثروته الجديدة: (حالتي تعترض حياتي الجديدة يا صديقي القديم..) وبدأ الشرح والطبيب يستمع إليه بدون خلايا الصديق، وحينما انتهى سأله الصديق:) هل أنت راض عمّا تفعله في منصبك الجديد؟) وقبل أن يجيب قال له: (حالتك باختصار شديد هي بكتريا تصيب الضمير، والأكولة التي تحسها هي مقاومة ما تبقى من خلاياه حتى لا تنتشر فيها البكتريا وتنتهي بالضمير إلى زوال!) سأله المسؤول الثري الجديد: (هل ستؤدي حالتي إلى الموت؟) أجابه الطبيب الصديق: ( بل الضمير!) حاول المسؤول الجديد أخذ نفس عميق من الراحة بعد سماع الضرر الأخف لكن الطبيب عاجله: (وبعد حين قليل وغير معلوم كذلك ستموت أنت شخصيا من جراء تعفن الضمير داخلك!) ونهض خارجاً المسؤول الجديد الثري، لم تخف آكولته، فحينها كان يفكر في شراء عيادة الصديق الطبيب الوحيد الذي استمر واضعاً مرآة للروح تكشف ما بها من أمراض وأكولات وأوبئة! فكر أن يحيل العيادة إلى سوبر ماركت ضخم (مول) أو مطعم وجبات سريعة، فمن في هذه السرعة العالمية للتطور بحاجة للوقوف أمام مرآة للروح، فلترُح العيادة والأكولة وليرُح معهم الضمير! لم تخف الأكولة رغم ما أنفقه من مال على المتسلقين ليلقوا عليه نكات خفة روحه.. وعلى الأصدقاء ليخبروه من بين أسنان النفاق والدخان كم هو رائع وصاحب واجب.. وعلى زوجاته ليجدن دائما سبباً للاحتفاظ به كزوج من الطراز الأول.. وعلى الأطباء ليخبروه أنه مجرد تغيير جو فيحتاج إلى مبرر لبدل السفر للعلاج! ولا خف جشعه في امتلاك كل الذي لا يستطيع الحصول عليه بالكفاءة والمثابرة إنما بالمال وخيانة الرجال والنساء والحرية. وترفّع إلى منصب الجديد وغرق في حريره وطعمه اللذيذ بهزائم الآخرين، لكن لم تستطع مخازن الأدوية التي يمتلكها أن تنسيه طعم (الأكولة) والحكة، لم يستطع الأطباء بمستوصفاته الخاصة أن يجدوا له دهاناً أو دواءً يقلل من سرعة تعفن الضمير، لم يجد - سبحان الله - ضميراً من ضمن الذين اشتراهم، جديداً ينفع أن يستبدله بالذي فيه - فكلهم ضمائر متعفنة بمواقيت متفرقة...! { حاشية: إذا تطابقت أحداث هذه القصة ومسؤول أو ثري جديد فلا يلومنّ إلا ضميره الذي مازال يفرق وحيّاً!!