بحسرة بالغة حكى لي أحد المواطنين عن قصة حدثت لهم بإحدى المستشفيات الخاصة، حيث قاموا بنقل قريبة لهم اليها بعد أن ساءت حالتها، لكنهم وعند وصولهم لذلك المستشفى، اصطدموا بطلب غريب جداً من ادراتها، حيث طلبت منهم الادارة وضع (أمنية) تبلغ (8) آلاف جنيه، حتى يسمحوا لها بالعلاج.!..ولأن الوقت لا يحتمل، لم يعترض أحد منهم على ذلك الطلب، وهرولوا لجمع المبلغ قبل أن يعودوا بعد ساعتين من الزمان وهم يحملونه لتقوم المستشفى ببدء علاج تلك السيدة، ثم يطلبون منهم أن ينتظروا وصول اختصاصي الجراحة، والذى وصل بعد اربع ساعات من دفعهم (للعربون)، لتنتهى تلك الحكاية (المخجلة) بوفاة تلك المريضة وصعود روحها لبارئها. وقضية تعامل بعض المستشفيات الخاصة مع المواطنين بحاجة ماسة للنظر وللتقييم، خصوصاً أن الطب في الاساس هو مهنة (انسانية) قبل أن يكون فرعاً من فروع (البزنس) وحصد المال، وما يدهشني اكثر ويؤلمني في آن واحد هو (قساوة القلب) التى يتمتع بها بعض المسؤولين عن تلك المستشفيات بحيث يطالبون ب(عربون) و(أمنية) قبل إسعاف المريض وتلك كارثة حقيقية ينبغي أن تلتفت اليها الجهات المسؤولة بدلاً عن دفن الرأس في رمال اللامبالاة. يؤسفنا حقيقة أن نقول إن مهنة (الطب) اليوم في السودان صارت اليوم مهنة (للبزنس) اكثر من كونها ملائكية وانسانية، والا بماذا نفسر القصص الكثيرة التى ترد الينا عن تعامل بعض المستشفيات والمستوصفات مع المرضى الذين يأتون اليها وهم في حالة (حرجة) وعلى شفا حفرة من الهلاك..؟ وثانياً نتوجه بسؤال بسيط لبعض ادارات تلك المستشفيات الخاصة وهو كيف يتم تحديد معايير (العربون) الذى ينبغى دفعه قبل الشروع في علاج المرضى..؟ فعلى حسب علمنا البسيط وفهمنا المتواضع فأن الامراض تتفاوت في درجاتها والعلاج يتفاوت كذلك..؟ فكيف يتم تحديد (العربون) قبل معرفة وتشخيص المرض..؟؟ جدعة: قديماً كانت الامهات يتغنين لابنائهن بأن يكبروا ويصبحوا (دكاترة) ليعالجوا الناس، وبعد أن تقود الظروف تلك الامهات لبعض مستشفيات هذا الزمان، تقوم فوراً بتغيير رأيها وربما تدعو لابنها أن يصبح لاعب كرة أو مطربا مشهورا..(وأهو..كلو استثمار). لسعة: ليس بغريب على بعض المستشفيات الخاصة أن تفعل اكثر مما سردنا، فالقضية اليوم صارت (بزنسية) الملامح، لا مجال فيها للمشاعر او العواطف او (رقة القلب)، وقبل مدة من الزمان ورد في الاخبار أن مستشفىً خاصاً قام بحجز (جثة) لأحد المرضى بحجة أنه لم يدفع ما تبقى له من مستحقات مالية، فماذا نتوقع اكثر من ذلك..؟. عموماً حديثنا اعلاه لا يمنع أن هنالك بعض المستشفيات الخاصة ذات كفاءة عالية ومهنية معقولة جداً وفهم في التعامل مع المرضى، لكن وكما يقول اهلنا (البصلة كانت فسدت بتعفن الشوال)، وحتى لا يتعفن شوال هذه المهنة نكتب اليوم ونتمنى أن يصل ما نكتب للجهات المسؤولة، ولا حول ولا قوة الا بالله. شربكة أخيرة: (الأمنية) يفرضها صاحب دكان على بعض (بضاعته) حتى تعود اليه...لكن لا يفرضها طبيب على مريض يتوجع ويحتاج للاسعاف والعلاج السريع...فهل صارت ارواح البشر مجرد (بضائع)...؟؟؟