من الطبيعى أن تشعر بالغيظ عند قراءة الموضوعات التى تتحدث عن حفلات رجال الأعمال، الذين يتصدرون المشهد فى البيزنس والسياسة!.. تلتهم عيناك السطور التى تصف مكونات البوفيه القادمة للتو بالطائرة من أوروبا، فتتذكر هروبك الدائم من سؤال أصغر الأبناء عن الموعد المنتظر لدخول اللحم – أى لحم- إلى المنزل!.. لا تظن بنفسك السوء فتتهمها ظلماً بالحقد الطبقى.. تذكر أن صور البذخ استفزت الرئيس مبارك شخصيا وجعلته أثناء خطاب عيد العمال فى العام الماضى يطالب رجال الأعمال بالكف عن الفشخرة التى اعتبرها مصدرا لمضايقة المواطنين!.. طبعا لم يستجب هؤلاء ولن يستجيبوا، لأنهم يؤمنون بالمثل الشعبى القائل (اللى معاه قرش محيَّره، يجيب حمام ويطيَّره!).. قروشهم كثيرة، لدرجة لم يكتفوا معها بتطيير الحمام، بل تحولوا أنفسهم إلى طيور جارحة، تحلق بجنون للفوز بصفقة مريبة، أو عمولة غير قانونية أو بجسد مغنية نصف مشهورة.. فإن فشلت تنقض بمناقيرها الحادة لتنهش من يقف فى طريقها، بما فى ذلك صاحبة الجسد إن تمنعت! من هؤلاء منْ استبدل الحمام بالذمم المريضة.. يشتريها ليمتلك جُزراً فى وسط النيل، أو أرضاً على ساحلى البحرين الأحمر والمتوسط وعلى جوانب الطرق السريعة!.. المصيبة أن النهب وحده لا يشعرهم بالشبع.. إذ يصرون على أن يخرجوا ألسنتهم للجميع بمظاهر بذخ وفشخرة لا تتناسب مع أحوال بلد يعيش 40% على الأقل من سكانه تحت خط الفقر، لا يعبأون بإمكانية تحولِ أفعالهم يوما ما إلى شرارة تحرق الأخضر واليابس!.. غير أن ذلك بالذات يدفع إلى الحيرة والتساؤل: لماذا تقلد الدولة أطفالها المدللين من رجال الأعمال، فتبدو هى أيضا فى حالة فشخرة غير مبررة؟!.. نظرةٌ واحدة إلى أى وزارة تكفى للبرهنة على أن الفشخرة الحكومية تخطت جميع الخطوط الحمراء!.. عشرات المستشارين والمساعدين والمرافقين ومديرى المكاتب وأطقم السكرتارية يرسمون صورة من الأبهة الملازمة لكل وزير.. احسبْ كم وزارة فى حكومتنا وأطلق العنان لخيالك بشأن الرواتب والمكافآت والعلاوات والسيارات الفاخرة وبدلات السفر إلى الخارج!.. افترضْ حُسن النية ولا ترضخ لغواية الشيطان الذى سيوسوس لك بخصوص المصروفات غير الرسمية!.. أتحدثُ عن مظاهر الفشخرة فى أجهزة دولتنا وأمامى خطة تقشف أعلنتها فرنسا على المستوى الرسمى، باعتبار أن الدولة قدوة الشعب!.. الرئيس (نيكولا ساركوزى) طلب من جميع الوزارات شد الحزام وتقليص عدد مستشارى الوزراء وعدد السيارات المستخدمة لكل وزارة، كما أمر بإلغاء دفع نفقات الصحفيين المعتمدين لتغطية جولاته الخارجية.. ثم كانت المفاجأة الكبرى بقراره الخاص بإلغاء الحفل السنوى الذى يقام فى حديقة قصر الإليزيه يوم 14 يوليو بمناسبة العيد الوطنى، بحضور السفراء الأجانب وعدد كبير من الشخصيات الفرنسية المرموقة!.. أما وزير الخارجية (برنار كوشنير) فقد أوصى السفراء الفرنسيين بالاقتصاد إلى أقصى حد فى الاحتفالات التى ستقام بهذه المناسبة، واقترح عليهم إقناع الشركات الفرنسية العاملة فى الخارج بالمساهمة فى تكاليف حفلات الاستقبال! هكذا تفعل فرنسا، حيث أجبرت وسائل إعلامها، قبل أيام قليلة، وزيرين على تقديم استقالتهما، أحدهما استأجر طائرة خاصة فى مهمة رسمية والثانى اشترى من المال العام كمية من السيجار الكوبى الذى يعشقه! إذا كنا أغنى من فرنسا، وإذا كان متوسط دخل المواطن المصرى أعلى مقارنة بنظيره الفرنسى، فأهلاً ببذخ رجال الأعمال ومرحباً بفشخرة الدولة! عمرو عبدالحميد المصري اليوم