تقرير - عبد الله رزق - صحيفة الخرطوم خطت فرنسا خطوة متقدمة على طريق تجسير الهوة بين جانبي الاطلسي التي نشأت اثر الغزو الانجلو امريكي للعراق، بانتخاب نيكولا ساركوزي رئيساً للجمهورية. وربما كانت خطوة في اتجاه القطيعة مع التراث الديغولي أيضاً. فقد اعلن ساركوزي، بعيد انتخابه، ان امريكا ستجد في فرنسا صديقاً موثوقاً. وقد اعتبر انتخاب ساركوزي من الأخبار السيئة للعرب. بما في ذلك السودان. وكذلك الأمر، فيما يتعلق باختياره للطبيب الفرنسي برنار كوشنير وزيراً للخارجية. اختيار مؤسس منظمة اطباء بلا حدود وأحد منظري التدخل الانساني، لقيادة الدبلوماسية الفرنسية اثار ردود فعل واسعة داخل فرنسا وخارجها. لم يتوقف الامر عند ما اعتبره البعض خيانة للحزب الاشتراكي الذي كان كوشنير احد اعضائه ومناصري مرشحته للرئاسة سيفولين رويال. فقد جنح البعض إلى اعتبار الاشتراكي السابق، والساركوزيست اللاحق بمثابة وعد باضفاء نبرة جديدة على الدبلوماسية الفرنسية، وتأصيلاً وتحذيراً لمبدأ التدخل الانساني في الكي دورسيه، كوشنير، الذي رد بأنه لا يزال يحتفظ بقناعاته السابقة لمجيئه للخارجية، يعتبر العمل في قمة الدبلوماسية الفرنسية بمثابة فرصة لوضع تلك المبادىء في حيز التنفيذ. وقد كانت قضية دارفور اولى الملفات التي تعامل معها كوشنير عقب توليه لمسؤولياته، مؤكداً في ذلك العديد من التوقعات التي سبقت تعيينه. ففي ذروة الحملة الانتخابية الرئاسية طرحت قضية دارفور كواحدة من أوراق اللعبة الانتخابية في فرنسا. ونظم تجمع ايرجانس دارفور مهرجاناً دعا إليه مرشحي الرئاسة لتأكيد التزامهم بالعمل على اتخاذ خطوات حاسمة بشأن دارفور، بما في ذلك تنظيم تدخل دولي انساني في دارفور. وقد كان كوشنير، المهتم أصلاً بقضية دارفور، جزءاً من ذلك المهرجان، غير ان منظمة اطباء بلا حدود، الفرنسية قد انتقدت توصيات التجمع، الذي وصفته بأنه استنساخ لتجربة اللوبي الصهيوني المسيحي في الولاياتالمتحدة الذي يشتغل على قضية دارفور أيضاً. وحذرت من ان تنفيذ توصياته سيدفع بالسودان إلى حمام دم. ومنذ انتخابه للرئاسة الفرنسية ظل التجمع يضغط على ساركوزي للالتزام بتعهداته، في يوم المهرجان بشأن دارفور، بما في ذلك فرض عقوبات اوروبية ودولية على الخرطوم. وقد اعتبر اختيار كوشنير للخارجية منسجماً مع اولويات ساركوزي خصوصاً فيما يتعلق بالدفاع عن حقوق الإنسان. وبالنسبة لدارفور التي يبرز من جانبها الانساني، فانها تمثل لكوشنير حقلاً مناسباً لاعادة تصميم سيناريو للتدخل الدولي الإنساني على غرار ما حدث في كوسوفو.. ومع ذلك فقد أكد الاجتماع الأول الذي عقده كوشنير حول دارفور بعد توليه رئاسة الدبلوماسية الفرنسية على خياراته في هذا الصدد، وتتلخص في تحسين الوضع الإنساني، وايجاد تسوية سياسية للنزاع في دارفور ونشر قوة مختلفة من الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي في الاقليم. وأيا كانت الاختلافات التي تبقى على سطح العلاقات بين فرنساوالولاياتالمتحدة حول مختلف مفردات السياسة الدولية فإن الموقف من دارفور، سيكون واحداً من نقاط الالتقاء في السياسة الخارجية لكل من فرنساوالولاياتالمتحدة وحليفتها بريطانيا. ويمكن الاستنتاج ان تحولاً مهماً سيطرأ في السياسة الفرنسية تجاه السودان، في الحقبة الساركوزية الراهنة، لا يستند فقط على مقتضيات حماية المصالح الفرنسية في افريقيا الوسطى وتشاد المجاورتين وحسب، وانما انطلاقاً من رؤية فرنسية جديدة للوضع في دارفور وكيفية التعامل معه، وفق مبدأ التدخل الانساني.. فقد مارست فرنسا هذا التدخل في افريقيا الوسطى وكوت ديفوار وتشاد بدرجات متفاوتة لكن تحت لافتة حماية الأنظمة الشرعية في تلك البلدان. ويبدو انه قد حان الوقت للتعاطي مع هذه التدخلات بعناوين انسانية، مما يجعل من دارفور هدفاً مثالياً للتجريب.