غداً تُقام المباراة النهائية في مسابقة كأس العالم بجنوب أفريقيا بين إسبانياوهولندا، وسوف يشاهدها الملايين على امتداد الكرة الأرضية. والبلدان أوروبيان.. ولكل منهما ماضيه الاستعماري المعتبر.. والبلدان جميلان متقدمان ينتميان إلى العالم الأول.. وبعد ذلك الماضي الاستعماري التليد فليس لأي منهما الآن طموحات عسكرية توسعية.. فقد انكفأت كل منهما على نفسها مستمتعة مستغنية. وكانت إسبانيا حتى منتصف سبعينات القرن العشرين دولة أوتوقراطية يحكمها ديكتاتور يميني كان من أشهر الديكتاتوريين في زمانه هو الديكتاتور فرانكو، ثم أصبحت ملكية ديمقراطية، وتختلف اسبانيا عن هولندا وعن كل الدول الأوربية الأخرى في أنها كانت زمناً ما دولةً عربيةً اسمها الأندلس.. لكن عروبة إسبانيا لم تكن هي الأصل، وإنما كانت فترةً عابرة، وإنْ استمرت بضعة قرون. وقد أسّس تلك الدولة - بعد سقوط الخلافة الأموية في دمشق - أمويٌ شاسعُ الطموح ولا يعرف المستحيل، هو عبد الرحمن بن هشام بن عبد الملك، حفيد عبد الملك بن مروان، أحد اكفأ وأقوى خلفاء بني أمية.. بل إنه يُعتبر المؤسِّس الثاني للخلافة الأموية بعد مؤسِّسها الأول معاوية بن أبي سفيان. وقد كان أمر هذه الأسرة عجيباً وغريباً .. وهي أسرة قرشية صميمة قوية وغنية، ناوأت الرسول البداية ورفضت الإيمان به، ولم يسلم من رجالها ونسائها إلا معدودون، منهم عثمان بن عفان وأم المؤمنين السيدة حبيبة بنت أبي سفيان، وظلوا على شركهم حتى عام الفتح، حين عفا عنهم الرسول وقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء. أسرة تأخّر إسلامها إلى هذا الحد، ورغم ذلك فإنها بنهاية الخلافة الراشدة - بمقتل الإمام علي بن أبي طالب - عادت إلى تصدُّر الساحة حاكمةً كل المسلمين والعرب. ومن عجائب وغرائب هذه الأسرة أيضاً أن البيت الذي أسّس الدولة الأموية وعاصمتها دمشق بقيادة معاوية بن أبي سفيان، سرعان ما تراجع وحكم بعده بيت أموي آخر، هو بيت مروان بن الحكم، وظل يحكم حتى انتهاء الخلافة الأموية بعد بضعة عقود على يد العباسيين، وكانت دولتهم قوية راسخة سواء في مرحلتها الدمشقية أو في مرحلتها الأندلسية. ومثلما اختفت الدولة الأموية التي كانت عاصمتها دمشق، اختفت أيضاً الدولة الأموية الأندلسية، لكن دمشق استمرت عربيةً ومسلمة، أما الأندلس فقد تنصّرت، وطُرد العرب وعاد الأندلس بلداً أوربياً اسمه إسبانيا.. يؤدي منتخبه الوطني غداً بجنوب افريقيا المباراة النهائية في مسابقة كأس العالم ضد هولندا.