العلاقة الشائكة بين الإمام الصادق المهدي والدكتور آدم موسى مادبو، التي تكسوها علامات التباعد والجفوة، ما زالت طاغية على المشهد السياسي، والصف الأنصاري، وردهات حزب الأمة القومي، ولم تستطع الصلات القديمة ولوازم الحكمة ومجهودات الوسطاء وما تقتضيه من لغة تحاورية وانفتاحية؛ من خلق الأجواء المؤاتية لمعالجة الأزمة المستفحلة بين الرجلين!! مشهد الشطط والغلو في الخصومة بين الإمام والدكتور مادبو تجاوز حدوده البعيدة، حتى وصلت درجة القطيعة الغليظة بينهما إلى مستوى العلاقة الضدية، في الوقت الذي تصادق فيه الذئب والحمل، وصار أعداء الأمس أصدقاء اليوم!! سجل التاريخ القريب لا سيما في العهد الديمقراطي الثالث وما قبله يشير إلى أن الصلة بين الإمام والدكتور آدم مادبو كانت تعكس مثالاً رائعاً في التحالف والتعاضد المسنود بالمظلة الحزبية والقناعات المشتركة والرابطة الوجدانية، وإذا بالأمور تنقلب رأساً على عقب، من زاوية التفاهم إلى محيط الهوة السحيقة في الأفكار والخطوات بين الإمام الدكتور مادبو!! فما الذي جرى بين الاثنين؟ وما هو لغز العلاقة الضدية بين الإمام الصادق والدكتور مادبو؟ ولماذا تتعثر رحلة العودة إلى الصفاء الأول دون الاكتراث للواعج الشوق والحنين القديم؟ لقد انطلق هجوم الدكتور آدم مادبو الكثيف نحو الإمام الصادق في شكل وابل من العواصف العاتية، بالتركيز على مسؤوليته الأساسية، عن مخرجات المؤتمر السابع للحزب والتجاوزات الكثيرة التي صاحبته، ورأى مادبو أن محصلة ذلك المؤتمر تمثل انتكاساً خطيراً للنهج الديمقراطي وأشكال المؤسسية في حزب الأمة القومي، ولم يتورع مادبو عن غمز قناة الفريق صديق إسماعيل الأمين العام للحزب بأنه كان عضواً في جهاز أمن النميري الذي قتل إمام الأنصار الهادي المهدي، مبيناً دعم الإمام لسيناريو تنصيبه في الموقع خلال المؤتمر!! وفي المقابل بادله الإمام اللغة الهجومية باستخدام التعابير التهكمية والمفردات الموجعة متهماً مادبو بالجنوح إلى الشللية والجهوية والجري وراء رغبة أبنائه وملامسة أوتار المؤتمر الوطني، وذكر الإمام أن جميع آراء وأطروحات مادبو الناقدة للحزب تتوكأ على ساق واحدة!! ولا ترتكز على المنطق والحجة!! في ثنايا لوحة التصادم الملتهب بين الإمام والدكتور مادبو هنالك العديد من اللاعبين على الطاولة، حيث يوجد في ضفة الإمام الدكتور عبد الرحمن الغالي الذي ذكر أن الدكتور آدم مادبو لزم منزله في أيام الإنقاذ الأولى ولم يكن له إسهام نضالي لإرجاع الديمقراطية!! علاوة على الفريق صديق إسماعيل الذي وصف تيار مادبو بأنه صيغة احتجاجية تنكبت الطريق الصحيح. أما في ضفة الدكتور مادبو فيوجد المحامي محمد عبد الله الدومة القيادي في الحزب الذي أشار إلى أن تيارهم قد وصل إلى طريق مسدود مع الإمام، في حين قال المهندس مادبو نجل الدكتور آدم مادبو وهو يدافع عن أفكار والده إن ذرية الإمام الصادق جاءوا بطرائق غير صحيحة إلى هيكلة الحزب!! عطفاً على إضاءة المصابيح حول نهج الدكتور آدم مادبو في محاربة طريقة إدارة الإمام للحزب نجد أن أسلوبه ربما تجاوز المناطق الحمراء ومساحات الاحتراز، وهو القائل إن هناك تعارضاً واضحاً في أن يجمع الصادق المهدي بين الإمامة ورئاسة الحزب، وأن تصرفاته صارت غير ديمقراطية وتجنح إلى الشمولية، فقد كان مادبو وتياره العام في بداية الخلاف، يعترفون برئاسة الصادق مع رفضهم للأمانة العامة والهيئة المركزية والمكتب السياسي للحزب، فهل ذهبت تلك القناعة أم صارت مهترئة؟! لقد كان الدكتور آدم مادبو من أهل الطاقم الأعلى في تركيبة الحزب، يتبوأ موقع نائب الرئيس قبل المؤتمر السابع الذي تغيب عنه لظروف صحية طارئة، حيث كانت في ذلك الطرف توجد بعض التقاطعات بينه وبين قيادة الحزب، فالشاهد أنه عندما انفض سامر الكرنفال الحزبي وجد الدكتور مادبو نفسه قد جرد من جميع الاعتبارات الهيكلية والرمزية، ولا أستطيع أن أستبطن انعكاسات تلك الواقعة في دواخله وبأي المقاييس انداحت عليه. قد يرى البعض أن هناك سوء كيل مورس حيال الدكتور مادبو في المؤتمر، وأن خصومه قد وجدوا الشماعة في غيابه، بينما يرى المراقب الموضوعي أن العملية الديمقراطية قد تجاوزته في المؤتمر، من وحي حسابات تطعيم القيادة بالدماء الجديدة طبقاً لمقتضيات عصر المعلوماتية واكتشافات الفضاء، ويلوح رأي آخر بأن مادبو لم يكن راغباً أصلاً في أي موقع هيكلي بالحزب!! مهما يكن فإن الشرارة العاتية جاءت من نتائج المؤتمر السابع، حتى جاء ارتفاع الوتيرة المناهضة للإمام من جحافل التيار العام، ولا يخفى على أحد إسهام الوليد مادبو نجل الدكتور آدم مادبو في دفع الخصومة الغليظة بين الإمام ووالده إلى الاتجاهات السرمدية، فهو طبقاً لإفادات الصادق المهدي يحمل علامة فيتو منقوشة في دواخله ضد حزب الأمة القومي وكيان الأنصار!! فالاحتفاظ بالغبائن يتنافى مع أدبيات قبيلة الرزيقات، أهل الدكتور مادبو، وإرثهم العربي الأصيل، وهم الذين نالوا إعجاب الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في الستينيات!! أما الفرضية المعرفية حول الإمام الصادق المهدي فهو يقاتل خصومه ارتكازاً على قميص المهدية في المقام الأول زائداً المذاق الرمزي والوجداني والجماهيري وهو يعرف كيف يندفع وكيف يستغل موطن الضعف في الطرف الآخر، وأحياناً يكسب المعركة دون قتال!! يجلس الإمام الصادق على إرث ممتد بين القديم والجديد في الساحة السودانية، ويحلم بالسلطة للمرة الثالثة، لذلك ربما تشغله كثيراً عاصفة مادبو المنفردة التي صارت جديرة بالاهتمام والتدقيق في المسرح السياسي.