استبدت بي وبزميلي الصحفي الأخ عثمان محمد محجوب حالة إنسانية مذهلة في إلحاحها، ولما كان منشأ هذه الحالة هو ولاية نهر النيل، طفقنا نستعرض في قائمة الولاة والدعاة والثقاة علنا نجد (جمل شيل) يحمل عنّا أثقال هذه المهمة. قال لي صديقي على طريقة (وجدتها): من غيره؟ قلت: من؟ قال: الدكتور غلام الدين عثمان، الوالي الأسبق لولاية نهر النيل، والوزير الحالي الذي يدير ملف الصندوق القومي للإسكان والتعمير، الصندوق الذي تضع الدولة على عاتقه آمال الغلابة والمعدمين في بلاط دولة المشروع الحضاري والأخلاقي. شاطرت زميلي هذا الانتخاب الذي صادف أهله، غير أننا وخلال شهرين متتاليين لم نحظ بلقاء السيد الأمين العام للصندوق، ليس لأن الرجل محاط بسياج من الحراس، ولكن لأنه في حالتي سفر وترحال دائمين من أجل إنفاذ مشروعات صندوقه والاستعانة بتجارب الآخرين، مرة قيل لنا إنه في المملكة الأردنية الهاشمية للاستفادة والاستعانة بتجارب الآخرين، ومرات بربك وكوستي لمتابعة مشروعات المدن المرتقبة، لكننا أخيراً جداً تمكنا من القبض على الرجل بمقر صندوقه بحي امتداد العمارات بالخرطوم، ولما فرغت من شرح قصتنا كما لو أنني قد ألقيت عن كاهلي حملاً ثقيلاً، أرقني وأرهقني وزميلي عثمان محجوب زمناً طويلاً، علماً بأن القضية التي خرجنا لأجلها هي قضية عامة برغم خصوصيتها، قضية تمتحن الإسلاميين في عقر قيم مشروعهم، لم يملك الرجل إلا أن ينضم إلينا، أو بالأحرى، لم يملك إلا أن يستوعبنا، لنشكل لجنة ثلاثية رئيسها وزير فدرالي، ومن ثم بدأت تلوح لنا آفاق فجر الخلاص بخيوطها البيضاء. غير أن هذه الجلسة التي شاركنا فيها «ود الناظر» البيه عبد الرحمن، المدير العام لمشروع الصندوق، وأربعتنا من أبناء ولاية نهر النيل، بل من الناشطين في قضاياها، فكانت بمثابة ندوة مصغرة عن آمال وآلام هذه الولاية الفقيرة الغنية، فقيرة الموارد غنية الكوادر والتاريخ، ولما تكون في حضرة رجل بقامة وتجربة غلام الدين؛ لا تملك إلا أن تجيد فن الاستماع، فغلام الدين عثمان قد نشأ وترعرع في هذه الولاية، ومن مدرسة الدامر الثانوية التحق بجامعة أم درمان الإسلامية، ثم عاد إليها وهو مطرز بالشهادات والتجارب ليشغل وظيفة وزير المالية لمدة أربعة أعوام، ثم يرحل عنها ليدير وزارة مالية الخرطوم، ثم والياً لولاية شمال كردفان، وذلك قبل أن يعود إليها مرة أخرى ليشغل منصب الوالي لفترة عامين ونصف، وذلك قبل أن يستقر بالمنصب الوزاري الاتحادي، وهو يمتلك تاريخاً يضاهي السبعة أعوام، أنفقه بين وزاراتها وشعابها وشعبها. قلت للدكتور غلام الدين لو أن هنالك كتاباً تحت عنوان «ولاية النيل والتاريخ.. رؤية الخروج من عنق الأزمة»، فأنت أفضل مؤلف لهكذا قصة ورحلة، و.. و.. «قصة سبع سنين بأكملها». وذكرنا في هذه الجلسة كل الولاة السابقين منهم واللاحقين بالخير والدعاء، وذلك من لدن البروفيسور قنيف مروراً بالبروفيسور أحمد المجذوب وصولاً للجنرال الهادي عبدالله الذي يدير الولاية حالياً. وللذين يقرأون بتطرف، إننا لا نبذل هذه الأسطر مكافأة لمكسب شخصي ظفرت به وزميلي ابن محجوب، بل نحن أزهد الناس في أن (تُقرش) مواقفنا، غير أننا نقترب من السلطان بقدر اقترابه وتفاعله مع قضايا الجماهير، فذهبنا للرجل في قضية تهم المشروع الكبير، ووجدناه يؤدي واجبات المشروع في أوقاتها وبخشوع وتبتل وتواضع، هذه كل القصة التي نضرب لها أكباد أقلامنا. وإنها شهادة لله والتاريخ، لا بد أن نمتلك الجرأة لندلي بها ونحن نذهب في طريقنا، ونبتغي بها وجه الله سبحانه وتعالى.