في نفس اليوم الذي ارتضى فيه الشريكان الجلوس للتباحث حول قضية الاستفتاء بقاعة الصداقة وهم يتبادلون الابتسامات المحفورة بعناية فائقة على وجوههم كان هنالك شاب جنوبي يسمى (بودا جوان) ربما لا يعرفه الكثيرون وهو لم يكن مهماً بموازين الإعلام المشغول بالحراك الرسمي ولكنه أصبح مهماً اليوم لدرجة الخطورة. شاب انسلَّ من رحم الشراكة الممتدة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني وقطع رحلة الحياة في (مسيرتين)، وأحدث في حدود الفضاء الذي تحرك فيه جدلاً متصاعداً حول طبيعة التظاهرات التى حركها في جوبا مؤخراً. (بودا جوان) هو الأمين العام لمنظمة (شباب من أجل الانفصال) التى حرصت في الآونة الأخيرة على الخروج في مسيرات للتعبير عن بعض المشاعر الجنوبية التى اعتبرها البعض مشاعر سالبة ومعزولة بالرغم من خروجها الذي يصادف التاسع من شهر يوليو (2010م) بعد مرور (5) سنوات على اتفاق السلام. وهي المرة الثانية للمسيرة السلمية التي يسيرها منبر شباب من أجل الانفصال حيث قررت المنظمة الشبابية بالتضامن مع منظمات المجتمع المدني الخروج في مسيرة سلمية في يوم 9 من كل شهر ابتداءً من شهر يونيو الماضي مما أربك حدود التفاؤل المشروع باستفتاء يفضي للوحدة وولّد عاصفة من الأسئلة الكبرى حول من يقف خلف هؤلاء الشباب، ولماذا نبعت هذه المنظمة في هذا التوقيت الحرج وهل من الممكن أن تتحرك الجهات الرسمية لكبح جماح تلك المجموعة والبحث عن أصوات بديلة للتعبير عن الواقع بشكل أفضل؟ من هنا تتوالد المخاوف فالمشاعر السالبة أكثر قدرة على التعبير عن نفسها وإن طالت الاتهامات هؤلاء الشباب بأن خلفهم أيادي تتربص بالوحدة مع الأخذ في الاعتبار أن المنظمة التى حفلت لافتاتها بمطالب بمختلفة وكان مقصدها مخاطبة الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني للمطالبة بقيام المشورة الشعبية للمنطقتين والاستفتاء علي حق تقرير مصير جنوب السودان ومنطقة أبيي في موعدها مطالبين شعب الجنوب بالتصويت على انفصال الجنوب من الشمال حيث قالوا إن الحكومة التي فشلت في جعل الوحدة جاذبة خلال أكثر من (5) سنوات لا يمكن أن تنجح في تحقيق ذلك خلال ال(5) أشهر المتبقية. رئيس الاتحاد الوطني للشباب السوداني بلة يوسف أكد أن تلك المنظمة لا تتبع لهم فالاتحاد ليس وكيلاً حصرياً للمنظمات الشبابية وقال ل(الأهرام اليوم) أنهم لا يستغربون نشاط تلك الفئات وفي ظل القانون من حق أي شخص أن يعبّر عن وجهة نظره بالرغم من أن تلك المطالب تشوبها ظلال المناورة السياسية والهدف هو رفع السقوفات والمزايدة على قضية الوحدة. وأشار البلة إلى أن هذه المنظمة لا تعبر عن رأي شباب الجنوب. ولم يستبعد البلة أن تكون خلفهم واجهات سياسية وقال ان المعالجة الموضوعية هى ألاّ يتعامل الاتحاد بردود الأفعال ويخرجون بمظاهرة رداً على هؤلاء فالتعبئة العاطفية ستفقد القضية موضوعيتها، وأضاف أنهم سيديرون حواراً موضوعياً مع شباب المنظمة الجنوبية لمعرفة الوضع الأفضل للشباب في ظل خياريْ الوحدة والانفصال، واستطرد أن قضية التنمية ليست ذات أثر مباشر على مستويات القضية التي هى في المقام الأول تحتاج للحوار وليس للتظاهرات المصنوعة. وكشف البلة عن مؤتمر يعتزم اتحاد الشباب إقامته لشباب الوحدة الوطنية لمعرفة اتجاهات الرأى العام وسط الشباب دون حجر على شاب في التعبير عن رغبته. أما بخصوص الأثر الذي من الممكن أن تتركه هذه المنظمة فيقول بلة يوسف إنه منصبٌّ نحو تأجيج الساحة السياسية وخلق حالة من التوتر السياسي الذي ينتقل بالقضية من حيزها الموضوعي لحيزها التعبوي، وحول مزاعم المنظمة بأنها تمثل قطاعات واسعة يرد البلة بأنهم مطالبون بإثبات ذلك الادعاء وأنهم ينطلقون من مواقف مستقلة بالرغم من أن الاتحاد مدرك تماماً أن خلف هؤلاء الشباب عمل منظم ودعم سياسي وناشد شباب الجنوب أن يعبّروا عن إرادتهم بصدق وألاّ يمثلوا أداة للغير وأضاف أنهم كاتحاد مستعدون للدخول معهم في حوار يسهم في بلورة موقف واضح من قضية الوحدة وختم حديثه بأن شباب السودان هم دعاة للوحدة ولا يمكن أن يعملوا للانفصال. في ذات الاتجاه يمضي رئيس المنبر الديمقراطي لجنوب السودان الدكتور مارتن إيليا الذي يحاول إيجاد المبررات لهؤلاء الشباب بأنهم يعملون تحت طائلة القانون لأجل الاستفتاء، وغالبية الأحزاب الجنوبية وصلت لقناعة بأن الوحدة لم تعد جاذبة على حد وصف إيليا ونحتاج للكثير من العمل والمنبر الديمقراطي ليس بعيداً عن ما يجري وحمّل إيليا الشريكين مسؤولية التأخير وقال إن هنالك مشروعات قومية يفترض أن تقوم بها حكومة الوحدة الوطنية وتوفير الميزانيات المطلوبة للعمل الجاد. وأضاف مارتن أن الأحزاب الجنوبية موجودة وتعمل في الشارع وبالفعل هنالك من يقف خلف المنظمة للدفاع عن الحقوق وهؤلاء الشباب من فئات مختلفة أحزاب وقبائل وكنائس وجامعات تجمعهم قضية واحدة ولا يمكن أن يؤثروا على اجتماعات الشريكين، وذهب إلى أن الإعلام في الخرطوم كله يدعو للوحدة، الصحف والفضائيات والمنابر والأحزاب فالديمقراطية تمنح كل شخص المناداة بالخيار الذي يريده ولا حجر على من يطالب بالوحدة، كما أن الحركة الشعبية لا تستطيع إيقاف هؤلاء الشباب المتظاهرين فقضية الاستفتاء أصبحت الشغل الشاغل لأهل الجنوب وفي نفس الوقت هم واعون بقضيتهم وما يقومون به هو رسالة واضحة للحكومة أن تستعجل مستحقات اتفاق السلام ويسرعوا في العمل لأجل الاستفتاء. وجهة نظر مارتن ايليا تتقاطع مع نظرة شباب آخرين من الجنوب ولكن يظل تصريح الأمين العام لمنظمة «شباب من أجل الانفصال» بودا جون هو الأعلى، حيث أكد في تصريحات صحفية ل(الشرق الأوسط) والتي نفى فيها وجود جهة سياسية تقف وراء المبادرة، وقال: «لماذا الاتهام بأن جهات سياسية وراء هذا النشاط؟ هي مبادرة من منظمات المجتمع المدني ورفض بودا الدعوة للكونفدرالية ووصفها بأنها محاولة للالتفاف حول استقلال جنوب السودان، وهي دعوة مرفوضة. من جهة أخرى تطالب منظمة «شباب الحركة الشعبية» بأن يتم إجراء الاستفتاء في موعده دون تحديد الخيارات، كما أن منظمة أخرى تعمل على تحريض المواطن الجنوبي وتدريبه على ممارسة حقه، مثل منظمة «حريتي في الاستفتاء». ويأتي ذلك التحرك الشبابي في أجواء ماطرة سياسياً لا سيما أن ذلك الحراك هو الذي سيفضي آخر الأمر إلى نتيجة لم يعد أحد قادر على التكهن بها.