أسهل تبرير نغطي به عجز الحكومة .. وكساحها في مواجهة الغلاء .. هو رمي التهمة على (التجار الجشعين) !! تبرير سهل .. لكنه بليد .. ولا يحترم عقل الناس التي تعرف وتعي وتفكر !! بالأمس سألت عن بعض الأدوية ، فقيل إنها غير موجودة في السوق !! وسألت زوجتي عن سر الإرهاق الشديد في ميزانية البيت، فأخبرتني بطائفة لا تنتهي من الارتفاعات السعرية .. في مختلف المواد، وخصوصا الغذائية. ولما قمت بحساب الحسبة .. اكتشفت أن نكتة الرجل الحاوي .. الذي يسيطر على نفقات منزله بشكل لا يتماشى مع المنطق .. أصبحت واقعا .. في بيتي على الأقل !! التجار هم التجار .. في السودان .. وفي موزمبيق .. وفي فيتنام.. وفي بريطانيا !! كلهم يمارسون شيئا واحدا مشتركا، هو اقتناء السلع بسعر محدد، ثم بيع هذه السلع بسعر أعلى يتيح الربح والفائدة . والتاجر كأي إنسان آخر .. قد يكون جشعا، أو عاديا، وهي صفات شخصية .. وكل شخص حسب تكوينه النفسي والعصبي والبيئي، لكن جشع التجار .. شماعة يعلق عليها العاجزون أخطاء السياسة، وعثرات الاقتصاد، متوهمين الغفلة والغباء في أدمغة الناس وأمخاخهم !! لا أظن أبدا أن تجارنا أكثر جشعا من تجار بريطانيا، أو ألمانيا، أو جنوب أفريقيا، أو اليابان ! لكن التبرير للغلاء يكون عند أولئك بالإقرار والاعتراف بالصعوبات، وتمليك الناس المعلومات الاقتصادية الصحيحة والحقيقية، وإعلان الخطط الصريحة التي تضع الضماد على الجروح، ومحاربة الندرة بالوفرة، والاعتراف بأن في رؤوس الناس شيئا اسمه المخ .. وليس فردة حذاء كما يتوهم الواهمون ! الشجاعة تقتضي القول .. بأن هناك مشكلة في النقد الأجنبي، وأن النقد الأجنبي .. بدولاراته وريالاته واسترلينه ودراهمه .. يغطس بسهولة في خزانات البنوك ساعة البيع، لكنه يذوب ويختفي ويختنق طالبوه .. لحظة الطلب للشراء !! إنه (التحريش) للناس .. ودفعهم لعدم ضخ العملات الصعبة .. في أنابيب البنوك والقنوات الرسمية، في حين تذوب الإيرادات التي يوفرها البترول في القسمة مع المنقبين، والاسترضاءات لمن يحملون السلاح لأخذ حقهم ، فتختفي السلع أو تشح، وتصبح تطمينات المسؤولين بتوفر الدواء، أو باستقرار الأسعار، مجرد فشنك .. لا أكثر ولا أقل !! والشجاعة تقتضي القول .. بأن الحكومة مطالبة بأن تبدأ بنفسها، في ترشيد إنفاقها، والمحاسبة الدقيقة على كل دولار يطير .. في رحلات خارجية .. أو في تسهيلات من أي نوع .. يتم صرفها في غير محلها. اتركونا يا قوم من نغمة (جشع التجار) .. وواجهوا المسؤولية بما تستحق .. قبل الانجراف، والانحدار، والطوفان !