حكاية (الشاكوش) حكاية، فالعشاق السودانيون اخترعوا له وظيفة أخرى، غير وظيفة دق المسامير .. فما أن تسمع أن أحدا قد تلقى شاكوشا، حتى تعرف أن الضحية قد انقلب عليه المحبوب، وبات بعد العز نسيا منسيا !! طبعا الشاكوش كلمة مستعارة هنا، وهي دلالة على شدة المصيبة، وقوة أثرها، فليس أقسى من أن يتلقى الشخص شاكوشا، خصوصا على رأسه، من أعز الناس وأقربهم للقلب ! والترميز بالشاكوش، ليس أمرا جديدا في قاموس العشق السوداني، ولم يبدأ استعماله وسط جيل الشباب الحالي، بل هي كلمة بدأت من جيلنا، وربما قبلنا بقليل، فقد دخلنا مرحلة الدراسة الجامعية، فوجدنا القوم يتبادلون الشواكيش، ويحكون عن آلامها وضرباتها المباغتة، وخضنا معهم فيما خاضوا، وكم أبلينا فيها عطاءً وتلقياً ! زميلة سابقة، قالت لي بمرارة ان خطوبتها قد فركشت، وأن خطيبها قد أعطاها شاكوشا هز أركان المعمورة ! المشكلة أن تلك الزميلة حساسة لدرجة الإعياء، وهي من النوع الذي يلوم نفسه، لذلك هي تصر على أن تصرفاتها الرعناء هي التي جعلت الخطيب يطير .. مقدما هديته الثقيلة المتمثلة بشاكوش (حر)، لا يطيش توجهه، ولا تخيب ضربته !! قلت للزميلة السابقة : رويدك أيتها العزيزة، فالشاكوش لا يعني أبدا نهاية الدنيا، وأنت صغيرة وجميلة وذكية، وأكاد أجزم أن صاحب الشاكوش هو الذي باء بالخسران، لأنه خسر فتاة رائعة مثلك ..يتمناها كل الشباب .. والشياب ! ثم من قال لك إنك المخطئة ؟ فلعله هو المخطئ، والعشاق في العادة حساسون، ولكنهم متسامحون، وينقبون عن الأعذار لمن يحبون، وحتى لو كنت أنت المخطئة، لبحث لك عن العذر، أو لأتاك لائما معاتبا، منتظرا أن تطيبي خاطره باعتذار، وتدفئي قلبه بكلمة طيبة تعيد له اتزانه ! هل ذلك صحيح ؟ سألتني الزميلة وقد بدا الاهتمام على محياها. نعم صحيح، ولو كنت مكانك لحمدت الله كثيرا، فمثل هذا الهارب لا يجب أن تأسفي عليه، فلم يترك سبيلا للعلاج، ووجد الفرصة لكي ينفذ بجلده، سواء بخطأ منك، أو بتبرير مختلق منه، والشاكوش قد وقع على رأسه هو، لا على رأسك.. والحمد لله، فأنت بخير، وستشرق شمس الغد لتجدي أن كابوس الأمس قد زال، وأن الأزاهر تملأ الدنيا، وأن الدنيا لا تتوقف عند محطات تلك النعامات الجافلة المرعوبة ! أحسست بالراحة تسري في ملامح محدثتي، ووجدت إشراقة الأمل والفأل تداعب محياها الندي، فانتقلت الراحة إلى نفسي، حيث شعرت بأنني أوصلت بعض أفكاري إليها، وأحسست بأن شواكيشنا السابقة .. أحالتنا لحكماء أصحاب رأي ومشورة، في عالم العشق والعشاق !