{ ربما أن الحركة تعرف، لكن الآخرين لا يعرفون على وجه الدقة إن كان الأمريكيون يفضلون الانفصال، أم يقفون مع خيار الوحدة، أم أن إدارة السيد أوباما لم تحسم أمرها بعد! ولما كانت الحرب على أشدها بين الشمال والجنوب، قال أحد الصحافيين الأمريكيين يومها «لماذا لا تذهب الحركة بالجنوب وتترك الشمال لله والصحراء»، وذلك في إشارة لاستخدام الشمال قدسية الدين والجهاد في تلك المعارك، وبالمناسبة أن الحركة الشعبية قد استخدمت هي الأخرى الدين، بل ومازالت تستخدمه في مناوراتها مع الشمال، ألم يحتمِ السيد سلفاكير بكاتدرائية جوبا وهو يدعو الجنوبيين في إحدى المرات لانتزاع استقلالهم وممارسة خيار الانفصال، حتى قال بعض العارفين يومئذ، إن الرجل لا يؤيد الانفصال ولكنه يخاطب مشاعر الكنيسة، وهل الكنيسة تود من جديد «قفل الجنوب» أمام ثقافة الشمال وتفتحه على ثقافة الجنوب الإفريقي؟ غير أن رجلاً أمريكياً مسؤولاً، في المقابل - وبحسب أحد المصادر- قال لقيادة الحركة الشعبية «إن أقدمتم على الانفصال سأضمن لكم احتفالات بازخة عارمة لمدة سبعة أيام، ولكن أيضاً سأضمن لكم ذهابكم في حرب قبلية لمدة سبعة أعوام لا تبقي ولا تذر»! والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، - والحديث لمؤسسة الملاذات-، هل هنالك ارتباك في المواقف الأمريكية تجاه التعامل مع هذا الحدث، أم أن الأمر لا يعدو كونه «توزيع أدوار» بين مؤسسات الامبراطورية الأمريكية؟!. على أية حال وبحسب كثير من المراقبين، أن الجنوب بوضعه الحالي لا يصلح إلى تشكيل دولة متماسكة تستطيع البقاء على هذا القرن الإفريقي، ويكون بمقدورها تقديم خدماتها لجوارها الإفريقي ولأصدقائها من وراء البحار، ولئن كانت الحركة الشعبية تبني حساباتها على «مقدرات الجيش الشعبي»، والذي لم تصنع في الفترة السابقة مؤسسة غيره، فإن الخطر الأكبر سيكون في قوة وامكانات الجيش الشعبي نفسه، فقبل أن يذهب القوم إلى ممارسة «حق تقرير المصير» فإن الجيش الشعبي بدأ يذهب في طريق التشظي والتكتل والاصطدام، وربما نعود بعد فوات الأوان إلى فطنة ذلك الرجل الجنوبي الذي قال يوماً، إن الشمال لنا بمثابة ورق الفلين الذي يوضع بين ألواح الزجاج حتى لا يتكسّر»!، والجنوب بوضعه الحالي لا يصلح أن يكون دولة لأن الحركة الشعبية لم تصنع بنية ولا رؤية لهكذا دولة، بل قد أهلكت كل ميزانيات النفط في استجلاب الأسلحة الثقيلة والدبابات حتى أضحى الإقليم عبارة عن مستودع كبير للمتفجرات. وبالمناسبة من قال إن الدول تُبنى بالجيوش الجرارة وحدها، فليبحث الرفيق باقان أموم في دفتر انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط النظرية الماركسية في عقر دارها، ولماذا لم تحمِ القوى العسكرية المهيبة الجبارة الاتحاد السوفيتي وتعصمه من التمزق والانهيار! ومازال الرفاق حول العالم يتغنون بأسى (انكسر المرق واتشتت الرصاص وانهدًّ الركن الكان بلم الناس)!. { العقلاء في الحركة الشعبية يدركون خطورة هذه المآلات، ويعملون على أن تبقى دولة السودان، على الأقل في ظل هذه الظروف، واحدة موحدة، وأن الذين ينادونهم من وراء البحار لا يعقلون، بل لا يدفعون، بل ماذا دفع «أصدقاء نيفاشا» وشركائها حتى الآن، لم يدفعوا شيئاً ولن يدفعوا، وأن المنظمات غير الحكومية التي يعلوا صوتها هذه الأيام ليس بإمكانها أن تصنع دولة وتموّلها! وأن يوغندا وصويحباتها الإفريقيات هنا أضعف من يوقفن حركة جيش الرب التي تمارس نشاطها القتالي منذ عقود، فضلاً عن تماسك دولة الجنوب المرشحة إلى أسوأ الاحتمالات! { سادتي.. أن كنتم تقرأون، ففي كل أسبوع تُعلن مجموعة من المصارف الأمريكية إفلاسها، وفي كل يوم تذهب شركاتها في عمليات تسريح الألوف من شغّيلتها. { عمنا المرحوم (ود الشرق) لما رأى النيل كل يوم يزداد انحساراً، قال بحسرة مخاطباً النيل (الزراعة خليناها.. والبحر إن شاء الله ربنا يستره مع حوته)، وواشنطن ربنا يسترها مع رعاياها!.. والله أعلم.