هل سمعتم أمس قصة الحمار الطائر؟ إنه حمار روسي .. وليس حمارا من تلك التي تجوب شوارع أمبدة العتيدة، أو تزيد الطين بلة في سوق أمدرمان وطرقاتها المختنقة ! يقول الخبر الذي تناولته الأنباء: (أثار مشهد حمار يهبط بمظلة في الهواء على أحد الشواطئ في جنوبروسيا حالة من الاستغراب الشديد، وانتهى الأمر بتدخل الشرطة. وكان مجموعة من رجال الأعمال الروس قد استخدموا الحمار كنوع من الدعاية لرياضة الهبوط بالمظلات، ولكن الفكرة أدت لوقوعهم في المشكلات بدلاً من جذب الزبائن. وذكرت وسائل إعلام روسية أن أصحاب الفكرة مهددون بالسجن لعامين بتهمة تعذيب الحيوانات، حيث كان الحمار مقيدا، ويصيح من شدة الخوف، أثناء هبوطه بالمظلة. ووصف الإعلام الروسي الواقعة بالعنيفة التي تنم عن خرق كبير لقانون حماية الحيوانات). انتهى الخبر. ولأن الحمار الروسي قد استحق التعاطف، ووجفت له القلوب ، واستدعى الأمر تدخل الشرطة ، فقد أصبح مادة تتناقلها وسائل الإعلام، بل وملأت صوره وهو يهبط بالمظلة، الصحف الروسية والكثير من صحافة الغرب. الحمد لله أن حميرنا الصبورة بخير، وأن ثيراننا بخير، وأن حصيننا التي تجر الكارو بخير، ولم تكن أبدا محل مراقبة، أو تعاطف، أو حملة عالمية، بسبب جرها للكارو، أو استعمالها في الحرث والزراعة، أو في جلب الماء واستخراجه من باطن الأرض، فلو التفتوا إلينا، لجعلوا منها مادة جديدة، يكيدون بها لنا، ويتنادون لعقابنا، ويتوعدون مواطنينا بالويل والثبور وعظائم الأمور !! في نفس الوقت أكرر الحمد والشكر، على أن العالم لم ينتبه، حين ثارت في العاصمة الأقاويل والحكايات عن الكلاب المتوحشة، بعد بضع حوادث متفرقة، فتقرر رد الصاع صاعين، فلا كلب فوق القانون، ولا مهادنة مع الكلاب أبناء الكلاب، ليتم تنفيذ أكبر مجزرة كلبية دموية، وإبادة (الأطنان) من تلك القبيلة، التي لم تسمع ببني عمومتها من الكلاب المتوحشة، ولا تعرف، كما لا نعرف حتى الآن، من جاء بتلك الوحوش، وما صحة الإشاعات العديدة التي أشارت في ذلك الوقت بأصابع الاتهام للكثير من الجهات والأفراد !! انتهت قصة الكلاب الخرطومية، وبدأ الناس ينشغلون بأشياء أخرى، ولم تعد الأسئلة الحائرة ترتفع، فتنفس المسؤولون الصعداء، وتم نسيان الأمر، وطمرت الكلاب التي تعرضت للإبادة الجماعية، وبقيت حمير أمبدة تجر الكارو بصبرها المعتاد، وبعضها في الأطراف يجر تناكي (المُشك)، حيث بقايا المريسة وعرقي البلح، في حين استمرت ثيراننا في كدها الأزلي، توفيرا للزرع والماء، وإسهاما في حفظ نسل البقر السوداني من الانقراض، دون أن يثور علينا العالم، ودون أن يستهدفنا، في هذا الجانب، أحد ! ياما إنت كريم يا رب !