مر عام على تاريخ صدور قرار مجلس الوزراء رقم (155) والذي يقضي بتعيين المؤهلين من أبناء الولايات الجنوبية في الخدمة المدنية، وقد صدر هذا القرار من مجلس الوزراء بتاريخ 24 يونيو 2009م، بتوقيع السيد رئيس الجمهورية والخاص باستيعاب المؤهلين من أبناء الجنوب في الخدمة المدنية القومية، وفقاً لاتفاقية السلام الشامل C.P.R التي نصت على منح الجنوبيين 20 % من وظائف الخدمة العامة في مختلف الوزارات والمؤسسات والهيئات الاتحادية، إلا أن بعض المؤسسات والوزارات تماطلت في تنفيذ القرار، ومن ضمن هذه الوزارات وزارة الخارجية والتي للمفارقة تحشد كل جهودها هذه الأيام لدعم وحدة البلاد بالخارج وتسعى لعرقلتها بالداخل. وما هذه الممارسات والتماطل إلا دليلان على ذلك. على كلٍ، تحججت الخارجية في عدم تنفيذ القرار بأنها قد أخذت حصتها كاملة من نسبة ال 20% المقررة باستيعاب أبناء الجنوب بالخارجية منذ فترة الوزير الأسبق د. لام أكول الذي عين في وظائف دبلوماسية ما يقارب (81) شخصا في درجات وظيفية مختلفة من سفراء ، وزراء مفوضين، مستشارين وسكرتيرين أوائل ، سكرتيرين ثواني، سكرتيرين ثوالث، وبهذا تكون قد أخذت حصتها كاملة وهذا بحسب خطاب وكيل الوزارة السابق د. مطرف صديق لمفوضية الخدمة المدنية القومية، ولكن لو كان الأمر كذلك، إذاً كيف تمت مناقشة القرار بمجلس الوزراء والموافقة عليه دون أن يعترض الوزير على كشف المستوعبين بالخارجية بحجة أن الوزارة قد أخذت حصتها كاملة؟ لماذا التماطل وعدم تنفيذ القرار بعد صدوره من مجلس الوزراء؟ أم أن الخارجية لم تعد جزءا من مجلس الوزراء؟ على كل حال دحضت المفوضية هذه الحجج والمبررات غير المقبولة، حتى هذه النسبة التي تم استيعابها، والتي نعلم أن بعضها لم يتم شغلها أصلاً، وبعضها ترك شاغلوها العمل بالخارجية ومنهم من تركها بسبب الانتقال الى موقع دستوري بالجنوب، رغماً عن ذلك وافقت المفوضية على الرقم (81) وليتم تحديد نسبة ال (20 %) من خلال عدد الوظائف الدبلوماسية بالخارجية والتي تساوي (624) وظيفة بحسب المعلومات الصادرة من جهات الاختصاص بالدولة. إذن في حالة ضرب العدد الكلي للوظائف الدبلوماسية في عشرين على مئة لاستخراج النسبة المئوية يكون الناتج ما يعادل (124) وظيفة هي نسبة أبناء الجنوب بالخارجية إذن بقيت (43) وظيفة خالية من العدد (81) الذي تم استيعابه سابقاً، علماً بأن عدد الذين تم استيعابهم عبر مفوضية الخدمة المدنية بعد إجراء المعاينات من قبل لجنة الإختيار العامة هو (41) شخصا فقط، يعني هذا الرقم لم يكتمل بعد. وللمعلومة فإن النسبة المفروض استيعابها بوزارة الخارجية هي (25%) وليست (20 %)، لأن هذه النسبة ارتفعت وذلك وفقاً لنص المادة (138) (ب) من دستور جمهورية السودان الانتقالي خلال السنوات الخمس بعد توقيع الاتفاقية. لكل ما تقدم نود أن نطرح هذه القضية للرأي العام بعد أن مضى عام عامل من تاريخ القرار والذي يفترض تنفيذه اعتباراً من الأول من يوليو 2009م ولكن الى لحظة كتابة هذا المقال، مازال ملف هؤلاء - ضحايا التسويف والمماطلة- يتأرجح ما بين الوزارة ومجلس الوزراء دون جدوى أو حل ، تارة نسمع أن هنالك لجنة كونت لحل المشكلة ، وتارة أن هذا الملف أغلق تماماً، أي أن هناك تسوية لمصلحة من؟ لا ندري!، ويقال إن أردت أن تنهي موضوعا فكون له لجنة لتنبثق منها لجنة أخرى وهكذا الى أن ينتهي أمره، هكذا تضيع حقوق الناس في هذه البلاد!. كل هذا يحدث والبلاد تمر بمرحلة حرجة ودقيقة وربما مفصلية في تاريخها السياسي والاجتماعي وذلك بحلول التاسع من يناير 2010م، إذ يقبل الجنوبيون على تقرير مصير البلاد وحدة أو انفصالاً، وفي رأيي المتواضع كان ينبغي على المؤسسات القومية أن تساهم في جعل خيار الوحدة هو الأفضل وذلك بالفعل وليس بالقول، حتى لا تكون «الوحدة الجاذبة» مفردات يتفوه بها القادة السياسيون في المنتديات والندوات السياسية دون تطبيقها على أرض الواقع حتى على مستوى المؤسسات الحكومية. علي كلٍ نحن على أعتاب امتحان - وحدة البلاد- ويقال عند الإمتحان يكرم المرء أو يهان!!، ولكن الأدهى والأمر في هذه المسألة إن هنالك من ترك وظيفته واستقال منها ، على أمل الالتحاق بالخارجية ليمثل بلاده بكل عزة وكبرياء، وهنالك من جاء حتى من خارج البلاد لتصطدم آماله بواقع التسويف والمماطلة لمدة عام كامل دون أدنى إهتمام أو سؤال من ولاة الأمر في هذه البلاد، وربما يستمر الحال هكذا الى أن ينتهي الأمر. يا ترى هل لمصلحة البلاد ما تفعله وزارة الخارجية في حق أبناء الجنوب سيما ونحن نقترب من نهاية الفترة الانتقالية وقيام الإستفتاء؟!! مع تحياتي وتقديري