تمر اليوم 58 سنة على ثورة 23 يوليو المصرية التي نفذّها وخطط لها الضباط الأحرار بقيادة المقدم جمال عبدالناصر. وفي البداية تقلّد اللواء نجيب لاعتبارات رتبته وشعبيته رئاسة مجلس الثورة لكنهم في عام 54 أبعدوه وحددوا إقامته ولم يُفرج عنه إلا في أول السبعينيات في عهد السادات. ويقولون إن إبعاد اللواء نجيب والمعاملة السيئة التي تلقاها من الضباط الشبان كانا من الأسباب التي جعلت الحزب الوطني الحاكم الذي يقوده الزعيم إسماعيل الأزهري يصرف النظر عن الاتحاد مع مصر ويعلن الاستقلال من داخل البرلمان منتصف خمسينيات القرن الماضي. وتبوأ الرئاسة بعد إقصاء اللواء نجيب المقدم عبدالناصر الذي أصبح بعد تأميم قناة السويس في 26 يوليو 1956م بطلاً قومياً في مصر والعالم العربي. وكان المصريون كما قال الصحفي الروائي إحسان عبدالقدوس يحبونه ويهابونه. ولقد غنت له أم كلثوم وعبدالوهاب ونجاة الصغيرة وشادية وعبدالحليم حافظ.. الخ. وكانت له انجازات كبيرة في مقدمتها السد العالي وتأميم القناة والإصلاح الزراعي ومجانية التعليم، والتصنيع. وعلى الجانب الآخر كان هناك إنعدام الديمقراطية وهزيمة يونيو 1967م. وقد سبّب السد العالي الذي هو إنجاز مصري ضخم خسارة فادحة للسودان والسودانيين فقد غرقت حلفا واختفت من الوجود وكان اختفاء المدينة الجميلة تفريطاً من الحكومة السودانية التي يرأسها الفريق عبود. ورغم ذلك فإن الشعب الطيب وقف مع عبدالناصر وآزره في أحلك الساعات التي مر بها ومن ذلك وقفته الرائعة بعد هزيمة في يونيو 67 واستقباله له عندما حضر قمة الخرطوم العربية في أغسطس من ذلك العام، ذلك الاستقبال الفاخر الأسطوري الذي حيّر العالم وحيّر عبدالناصر نفسه ورفع معنوياته وأعاد اليه الثقة. وكان عبدالناصر خطيباً بارعاً مفوهاً رغم أنه كان يخطئ في قواعة اللغة العربية، وكان في خطبه الجماهيرية يتحدث بالفصحى والعامية وكان آسراً وكان العرب من المحيط الى الخليج يحرصون على الاستماع الى خطبه، ولم يكن يكتب خطبه وإنما كان يكتبها له صديقه الصحفي محمد حسنين هيكل، ولعبدالناصر كتاب واحد هو «فلسفة الثورة» وكتبه أيضاً هيكل وكتب معه «الميثاق». إذن لم يكن الرئيس نميري وحده الذي يكتب له الآخرون خطبه وكتبه. والحقيقة أن معظم الرؤساء والملوك لا يكتبون خطبهم وإنما يكتبها آخرون. وبعد حياة حافلة صاخبة ممتلئة بالانتصارات المشوبة بهزائم من العيار الثقيل مات عبدالناصر مساء سبتمبر 1970م وبكاه ملايين العرب كما لم يبكوا زعيماً قبله وعند وداعه الى مثواه الأخير خرجت القاهرة عن بكرة أبيها باكية ملتاعة حزينة وكأن الدنيا انتهت.