لم يستطع الشيوعيون أن ينسوا ولا أن يغفروا للنظام المايوي ما فعله بهم. وما جرى بين الطرفين ابتداءً من 25 مايو 69 كان صراعاً على السلطة وقد خسره الشيوعيون ودفعوا فيه ثمناً غالياً. فقد تم إعدام زعيمهم عبدالخالق محجوب وبعض رفاقه، وأُعدمت أيضاً مجموعة من الضباط الشيوعيين الذين نفّذوا انقلاب 19 يوليو 71 واستولوا على السلطة لكنهم فشلوا في المحافظة عليها وعاد نميري ورفاقه إلى الحكم عصر 22 يوليو 71. وكان من أهم نتائج انقلاب 22 يوليو 71 الذي أعاد نميري إلى السلطة انتقال الحزب الشيوعي السوداني من خانة أكبر وأقوى حزب شيوعي في إفريقيا والعالم العربي إلى حزب صغير لا تأثير له يُذكر في المجرى العام للسياسة السودانية وفي كُبريات الحوادث التي مرت بالبلد منذ ذلك التاريخ. وقد سقط النظام المايوي في 6 أبريل 1985م ومرت السنوات وعادت الأحزاب وفشل المايويون في تأسيس حزب بحجم تجربتهم العظيمة المنتجة في الحكم. وكان من أخطاء نميري بعد أن عاد من منفاه ومن وجهة النظر المايوية البحتة دمجه لحزبه الذي حمل اسم «تحالف قوى الشعب العاملة» في حزب المؤتمر الوطني الحاكم وكان المقابل فتاتاً. وبعد وفاة نميري في مايو 2009م ورغم وجود اللواء خالد حسن عباس، فإن الحضور المايوي في الساحة السياسية أصبح بالكاد يُحَس. ورغم ذلك فإن بعض القوى السياسية مازالت تهاجم المايويين وقادتهم مع التركيز على الرئيس نميري ومازالت عاجزة عن النظر الموضوعي المنصف إلى ذلك النظام الذي أنجز كثيراً وأخفق كثيراً لكنه عندما سقط في أبريل 85 سلّم الأمانة إلى أهلها. مليون ميل مربع بالتمام والكمال وعلى داير السنتمتر من حلفا إلى نمولي ومن بورتسودان إلى الجنينة. وكان الشيوعيون ولا يزالون ومن فرط كراهيتهم لنميري يعيدون ويكررون بعض الأكاذيب مثل بلادته وضربه لمعاونيه وكانوا بمناسبة وبغير مناسبة يشيرون إلى حكاية أنه لم يكن يكتب خطبه وكتبه وهذه النقطة الأخيرة صحيحة ويستوي في ذلك عامتهم وخاصتهم وكبار مثقفيهم الذين مازالوا يقولون الكتاب المنسوب لنميري عندما يقصدون مثلاً كتاب «النهج الإسلامي لماذا؟». لكن نميري لم يكن الزعيم الوحيد الذي كتب له الآخرون خطبه وكتبه وإنما هناك كثيرون منهم عبدالناصر وستالين وخروتشوف وبريجنيف وتشيرنينكو وأندروبوف و...الخ. ونحن عندما نتحدث عن كتاب «فلسفة الثورة» فإننا نقول كتاب عبدالناصر ولا نقول الكتاب المنسوب لعبدالناصر رغم أننا نعرف أن الذي كتبه هو الأستاذ محمد حسنين هيكل، لقد كانت الأفكار هي أفكار عبدالناصر وكان هيكل هو الذي صاغ تلك الأفكار. غير أننا نعذر الشيوعيين على حرصهم على أن يقولوا الكتاب المنسوب لنميري فقد هزمهم هزيمة قاسية موجعة نقلتهم من خانة أكبر حزب شيوعي في إفريقيا والعالم العربي إلى خانة حزب صغير لا تأثير يذكر له في المجرى العام للسياسة السودانية!