اتفاقية السلام الشامل بكل نصوصها وبنودها وروحها التي تتخللها وحسها المبني عليه ومآلاتها الوطنية لتضفي على وحدة السودان خياراً جاذباً لأهل جنوبه كما فرض اتفاق مشاكوس الإطاري تقرير المصير، تعتبر بمثابة الملك على الشيوع لكل الشعب السوداني. وما الشراكة السياسية ما بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية إلا آلية مفوضة من المالكين (جموع الشعب السوداني) لتفعيل والاستفادة من هذه الملكية على الشيوع. عليه فإن موقف بعض القيادات التنظيمية الراهن نحو المجاهرة بانفصال الجنوب وهكذا تعبيرات على شاكلة مضى الزمن نحو تحقيق الوحدة ما هو إلا موقف سلبي في إدارة دفة الحكم في حكومة دولة الوطن والمناط بها أساساً إرساء وتوطيد وتطبيق وترسيخ دعائم اتفاق السلام الشامل الموقّع عليه من الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني الذي قاد مبادرة السلام وظل يقود مبادرات التنمية والوحدة الوطنية ممسكاً بزمام المبادرة الوطنية طيلة الفترة المنصرمة من تاريخ السودان الحديث. كما هو معلوم فإن كل المؤسسات والهياكل القائمة الآن ما هي إلا انتقالية ومحكومة وحاكمة للفترة الانتقالية التي نعيشها الآن وذلك حسب ما نصت عليه وأشارت إليه الاتفاقية وذلك حتى قيام الانتخابات في 2010 وتقرير المصير في يناير2011م. هذا يحتّم على الجميع داخل هذه المؤسسات أو خارجها وبكل الحس الوطني المتجرّد والمسؤولية الوطنية الملزمة والثقة بالنفس الموروثة، أن يعمل على تقويتها لا تقويضها وأن يجتهد في تفعيلها لا تعطيلها، وأن يعي بأنها مؤسسات مصنوعة إطاراً ودعوة للتلاحم، نبذاً وتركاً للتلاوم ولو إلى حين، حتى ينعم الوطن والمواطن بخير وفير ونِعم كثيرة تكمن في جوف اتفاقية السلام الشامل والتي أصبحت كما أسلفت مِلكاً للشعب السوداني كله بارقة ضوء في نفق مظلم ظلّ يعيش فيه شعبنا المجاهد الصابر المسامح النبيل. حسناً فعل حين ما قدمها بُعيد التوقيع عليها الأستاذ الشيخ علي عثمان محمد طه بأنها (جهد وطني خالص يُهدي لشعب السودان كله ضربة بداية لطريق طويل ومستقبل واعد بالأمن والسلام والتنمية والاستقرار والرفاهية في ظل وحدة وطنية هي جاذبة بإذن الله). أمين وصادق كان هو الأستاذ علي عثمان محمد طه عندما استقرأ المستقبل واشترط لتحقيق كل هذا الخير من بني وطنه الكرام، الفخور بهم، شاحذاً للهمم (بإتحاد الصف وبخلوص النية وبوضوح الرؤية ومن ثمّ بالتوكل على الله الحي القيوم لقهر كل الصعاب التي قد تواجه تطلعات الأمة). بليغ وكعادته كان هو الأستاذ علي عثمان محمد طه حين ما وصف اتفاقية السلام الشامل ذات مرة بأنها (قد خرجت ما بين فرث ودم لبناً سائغاً للشاربين) هم شعبنا السوداني الكريم الصابر الأصيل المحتسب والذي خرج من أصلابه وأرحامه قادة أفذاذ أمثال طه نفسه استطاعوا أن يخرجوا به من ظلمات الجهل والاقتتال والعوز والاستعباد والاستعمار إلى مصاف العلم والسلم والتنمية والرفاهية والحرية والكبرياء والصف المرصوص تعبيراً عن نسيج اجتماعي متجانس يندر مثله. شجاع، وواضح، شفاف، وصريح بكل كبرياء وعزة وشموخ الأمة كان هو الأستاذ علي عثمان محمد طه حين ما تحدث وأبان بأن (اتفاقية السلام الشامل قد مهرتها دماء شهداء السودان كله)، فقد أشار هنا إلى مدى الحرص الأكيد وإلى غلاوة هذه الاتفاقية حيث ستظل تفديها المهج والأنفس والأرواح جيلاً عبر جيل ما دمنا في رحمة وكنف وشفاعة أولئك الشهداء الأبرار الذين وهبوا أرواحهم رخيصة وعطروا بأسمائهم أجواء الوطن من أجل أن يعيش في سلام وأمن وتنمية جيلاً إثر جيل على سطح بسيطة ورقعة جغرافية سُمِّيت بالسودان لتمتد من نمولي متهادياً إلى حلفا ويتمدد من كاس ونيالا وزالنجي حتى همشكوريب ورساي وحلايب. كبير كما هو السودان، شامخاً كما هم أجدادنا وأباؤنا العظام، مؤمناً صادقاً كما هم أسلافنا الطاهرون، كان أيضاً الأستاذ علي عثمان محمد طه وهو ينادي مفتخراً بالوحدة (الإنفصال شعار البخيل والوحدة سلوك الكريم، والفي جيب أخوي في جيبي وحقي حق أخوي، والسودان هو البيت الكبير والقدح الكبير يكفينا ويشبعنا ويجينا كما الجيعان الملهوف والمحتاج ونحتويهم جميعاً). ما أعظمك طه؟ ما أعظمك طه؟. القائد جون قرنق .. نلت إحترام الجميع ورسخت في وجدان الكل تنادي بالوحدة وتجاهر بالتنمية الشاملة تحرص وتحرض على تحقيق السلام ليشمل كل ربوع السودان الواحد الموحد الذي أحبك مثل ما أحببته أحبك الشمال اكثر من حب الجنوب وأحبك الشرق والغرب أكثر من حب الشمال وستظل كلماتك وأنت تعود إلى الخرطوم بعد توقيع الإتفاقية وفي مطار الخرطوم ومن داخل المركز العام للمؤتمر الوطني وبالساحة الخضراء ستظل كلماتك المنادية بأهمية المضي في دروب السلام والجد في تفعيل مضامين ومشهيات الوحدة والإجتهاد في إحداث التنمية لجعل السلام مستداماً والوحدة جاذبة ستظل تطرق الآذان وتلهب المشاعر وتكرس قيم الوطنية في نفوس الأجيال وتزداد النفوس الصادقة لك حباً على حب. أيها الزعيم الكبير جون قرنق .. تشهد لك حدائق القصر الجمهوري مكان ورمز عزة وسيادة الوطن أشجاراً وزهوراً وأركاناً تاريخية شهدت ميلاد محطات أساسية في تكوين الدولة السودانية تشهد لك وتوثق كلماتك الكبيرة وتجسد زعامتك الأصيلة وقيادتك السودانية الخالصة وأنت تنادي بالسودان الواحد الموحد وتنادي بالتنمية من أجل إنسان السودان قاطبة وتنادي بالسلام حتى يتحقق ما تصبوا إليه وذلك كله أمام ممثلي وقادة كل العالم والمجتمع الدولي الإفريقي والعربي والأوربي والأمريكي وذلك في حفل التوقيع على الدستور الانتقالي وتنصيبك نائباً أول لرئيس جمهورية السودان. ستظل إشاراتك ومناداتك أيها السوداني العريض، أيها السوداني الصميم، أيها السوداني الصادق، أيها السوداني الأصيل جون قرنق وأنت بجوار السيد رئيس الجمهورية شقيقك المشير عمر حسن أحمد البشير وذلك بأعالي النيل في تدشين مطار (فلج) كصرح من صروح التنمية والبنية التحتية منادياً بالوحدة في كلمات بسيطة ولكنها عميقة وراسخة، داعياً لنبذ الحرب والفرقة وغسل الأنفس وطي صفحة الماضي، ستظل رصيداً ووديعة في قلوب الجميع لتتوارث أباً عن جد وجيلاً إثر جيل. فقد ترسخت في الوجدان زعيماً وقائداً وحدويا فذاً أنجبته حواء السودانية حارب بشجاعة وسالم وعاهد بشجاعة وكان مبدأك وفكرك السودان كله واحداً موحداً فخلدك التاريخ حيث مضيت رجلاً وبقيت الفكرة وما أعظم ذلك. السيد رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير .. سجل لك التاريخ العريض وحفظت لك الإنسانية جمعاً بأحرف من نور وصحائف من ذهب مواقف لاتبدر إلا ممن أراد له الله أن يكون مقيضاً للخير. هذه المواقف ستظل عبرة ودروساً تتناولها الأجيال وتستهدي بها ويتقمصها كل من أراد أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه وأنت تتصدى لقضية شعبك وتتملكك همة فتقود (الإنقاذ) وتبتدر المسير بمؤتمرات الحوار والسلام وتنقذ وطنك وشعبك من ويلات الحرب والاقتتال وتحرص على السلام كالقابض على الجمر من جهة وتحافظ على جذوة العزة والكرامة والكبرياء من جهة أخرى، فتصدق وعدك وتبر عهدك. سيذكر كل شعبك الحر سيدي الرئيس وأنت تقود كوكبة الإنقاذ وتشرف على رسم ملامح خريطة طريق السلام وذلك إبان مؤتمرات السلام وتكوين مؤسسات ومواعين السلام (مستشارية السلام) كأول بادرة في تاريخ ممارسة الحكم في السودان. سيذكر لك شعبك الحر سيدي الرئيس وأنت تهاتف مستشارك للسلام وقتها الدكتور غازي صلاح الدين بمشاكوس عندما كانت مسألة حق تقرير المصير عقدة في طريق التفاوض نحو السلام وقولك (توكل على الله ووقع على الاتفاق) ما يؤكد صدق نواياك وجديتها نحو تحقيق السلام والثقة المطلقة في مواطنك وشعبك واحداً موحداً وجدانياً وعقلياً وفكرياً وجغرافياً. سيذكر لك شعبك الحر المحب سيدي الرئيس وأنت من وقت لآخر تستدعي قادة النشاط السياسي والعمل العام والقيادات الشعبية والوطنية إلى دارك في بيت الضيافة باعتباره دار السودان كله دون عزل أو إقصاء لموال أو معارض وذلك للتفاهم والتفاكر والتشاور قبل إتخاذ أي قرار أو موقف ينسحب على الوطن كله ومستقبله وذلك في محطات كثيرة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر. أ/ بعد بروز وثيقة ناكورو الانفصالية. ب/ بعد إعلان القاهرة الذي نادى بعلمانية الدولة. حفظت الله فحفظك، وحرصت على وحدة الوطن فحرص عليك، وتواضعت أمام إرادة شعبك فأحبك وكرمك وبادلك الوفاء بالوفاء عطفاً على الحب بالحب. سيذكر لك شعب السودان كله وأنت تهرول مسابقاً الريح نحو نيفاشا لتشارك (المتحاربين) ( المتفاوضين) أفراحهم وتدفعهم وهم يوقعون بحروف أولية على بورتوكولات السلام الستة مستصحباً معك ضيفك من جنوب أفريقيا الرئيس الجنوب أفريقي وقتها (ثابو امبيكي) والذي جاء لمشاركتك وشعبك إحتفالات الاستقلال لتؤكد له وللعالم أجمع أن الاستقلال الحقيقي في تحقيق السلام بين أبناء الوطن وربوعه وفي تفعيل التنمية وتكريس قيم الوحدة سيذكر لك سيدي الرئيس شعبك انفعالاتك حزناً وفرحاً عبر مسيرة السلام والتي كانت تعبيراً عن صدقك ووطنيتك فسجلها لك التاريخ بأحرف من نور في تكبدك المشاق وأنت في حل وترحال دائمين سيدي الرئيس بحثاً وتنقيباً عن السلام، تقدم التنازلات من أجل استقرار الوطن وتصرح بكلمات عزة وكبرياء مما جعل منك رجل سلام ورمز سلام لا نفاخر به نحن فحسب وإنما نقدمه للإنسانية جمعاء، فتأكيداتك في كل منبر وكل ساحة بالداخل والخارج بالجنوب والغرب والشمال والشرق الوسط بأنك لن تألو جهداً ولن تدخر وسعاً نحو إرساء السلام يحفظها لك أيضاً التاريخ وتشفع لك أمام الرحمن وتضمن لك التقديس والخلود في نفوس مقبل الأجيال وتدعو الكل لاحترام حواء السودانية التي أنجبت أمثالك مقاتلاً وعسكرياً فذاً متفرداً ولكنه رجل سلام مبدأ، ظل حتى الأمس القريب يصرح ولسان حاله بأن الحرب لن تعود .. تعظيم سلام لك سيدي الرئيس وأنت صانع سلام، تعظيم سلام لك سيدي الرئيس وأنت راعي سلام، تعظيم سلام لكل صناع السلام في معيتك، تعظيم سلام لكل من سعى في درب السلام، تعظيم سلام لكل من عمل من أجل السلام، تعظيم سلام لكل من حرص وحرض على ترسيخ قيم ومفاهيم السلام. إنها إضاءات وشذرات في طريق السلام مطلب الأمة وأمل الأمة وغاية الأمة وتطلع الأمة. فإن كان السلام هكذا فلماذا لا نحذو حذو من سعى لتحقيقه ونتخذ منهم رموزاً نقتفي آثارهم ليشملنا الرحمن برضائه ونضمن الخلود في ذاكرة الإنسانية. اقول هذا وفي ذاكرة تلك الفرحة الغامرة والروح الوثابة المتجددة التي عمت جمهور شعبنا الطيب الكريم الطموح والآمال العراض التي عاشها خلال فترات التفاوض وبعد التوقيع على إتفاقية السلام فيكون من الجرم بمكان أن نئد هذه الفرحة ونقتل ذلك الأمل باختلاف حول الصغائر وإضعاف الثقة في بعضنا البعض وتجاهل عوامل التعايش. من هذا المنطلق وبهذا الفهم والإيمان فإني اتوجه بالرجاء المخلص إلى كل وطني غيور وإلى كل سوداني أصيل أن يكون مسعاه وغاية طموحه في أن يكون هدية السماء والسودان للجيران والأشقاء والإنسانية جمعاء ويضمن رضاء الرب وذلك بالعمل بنية صادقة وجهد متصل ونفس كبيرة من أجل السلام وتكريس الوحدة ومعانيها ومضامينها ولنقتفي اثر من ذكرت من العظماء وأن نترفع عن الصغائر فكل ما دون تحقيق السلام وترسيخ وتأكيد وحدة الوطن أرضاً وشعباً فهو صغير. من هنا أتوجه بالنداء بكل شفافية وصدق وشجاعة إلى القائد الأخ سلفاكير ميارديت ورفاقه قائلا: إن السلام مطلب شعبي والوحدة غاية شعبية ومعنى إنساني واسع وعريض وعميق وما الأصوات التي تصدر شمالاً وجنوباً والمطالب التي توضع باستمرار الوحدة الخيار الجاذب حسب نصوص اتفاقية السلام الشامل وروح الشعب السوداني المتفرد ما هي إلا بمثابة العقبة أمام تنفيذ وتطبيق السلام. اتركوها الشروط وتجاوزوها العقبات وترفعوا عنها الهنات ولا تضيقوا ما هو واسع بل وسعوا ما هو ضيق ولتكن سلامة ابن الجنوب وأمن واستقرار أخ دارفور ورفاهية وتعليم شقيق الشرق وتنمية ابن الشمال هي غاياتكم، ولتكن مساحة السودان كله وأمنه ومستقبله هي تطلعاتكم، ومستقبل أجياله وتطور موارده والإشارة إليه بالبنان واحداً موحداً هي آمالكم، ولنعمل جميعاً يداً بيد وقلباً بقلب وعقلاً بعقل وبإرادة سودانية خالصة نحو المستقبل المؤسس على النوايا الصادقة والنفوس الكبيرة كما هو السودان كبيراً مساحة يسعنا جميعاً .. كبيراً قيمة يحتوينا جميعاً .. كبيراً معنى يعلمنا ونتخرج منه رسل سلام للإنسانية جمعاء نصنع السلام ونمنحه ونصدره لا نستورده فالشريك لا يشترط على شريكه والشقيق لا يشترط على شقيقه والحبيب لا يشترط على حبيبه وإنما الشروط بين المتخاصمين والأعداء. خاتمة قولي رسالة إلى رمز السلام مرة أخرى وقائد مسيرة السلام إلى السيد الرئيس عمر حسن أحمد البشير: سيدي الرئيس أنت في شخصك مقيض من السماء للسلام، هذه حقيقة لم تأت بك إتفاقية السلام الشامل رئيساً للجمهورية هذه حقيقة، بل أتت بك إرادة شعبية وهذه حقيقة، اختارك الشعب كل الشعب من جنوبه وشرقه غربه وشماله ووسطه هذه حقيقة ليحتكم إليك الجميع وكأني بك ولسان حالك بعد كل هذا يقول: وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جداً فإن أكلوا لحمي وَفَرْتُ لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً وأن زجروا طيراً بنحس تمر بي زجرت لهم طيراً تمر بهم سعداً ولا أحمل الحقد القديم عليهمُ وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا بهذه المعاني التي نؤمن بها ونراها فيك سيدي الرئيس فإني استميحك الطلب أن تقف بنفسك السامية ومعك الأخيار على رأس أجهزة الدولة لتسخرها بكل مؤسساتها وكل الإمكانيات والآليات نحو إلزامية نشر ثقافة السلام والوحدة لترسيخ السلام ودعم الجهات القائمة بذلك مهما كلف وإنشاء الآليات إضافة لذلك فلكل معنى جميل وكل قيمة هي ثقافة عندها يكون السلام هو روح تتخلل جسد الأمة وليس نصوصاً تكبل إنطلاق الروح إلى رحاب السمو والعلياء وتلك رسالتك وبذلك يكون السلام هو سلام النفوس لا قيود النصوص وتكون الثقة هي التي تبعث الأفكار وتدفع الطموحات المؤسسة على الثوابت ولا ثابت ولا خيار ولا طلب إلا سوداناً واحداً موحداً أرضاً وشعباً. وفقنا الله جميعاً من أجل هذا الوطن أرضاً وشعباً وموروثاً وأجيالا حاضرة.