يتثاءب بصوت مسموع .. تنطلق الالتفاتات من كل جانب مستغربة و متسائلة و مستنكرة .. تستقر الرؤوس الى وضعها الطبيعي .. يدخل الرأس المتثائب فى موجة من الالتفاتات مستغربا و متسائلا و مستنكرا .. يتفحص الرؤوس ، يدنو من جاره بذات الزاوية والمقدار من التفاتة رأس جاره نحوه وسط ثورة الالتفاتات الناعمة يبلغه احتجاجه .. استدارة بسيطة يدخل رأس آخر ، ينال حظه من احتجاج الرأس المتثائبة .. خمسون ثانية عمر ثورة الرأس المتثائبة في وجه الرؤوس المستغربة و المستنكرة و المتسائلة التي أفرغت ثورتها هي في عشرة فريمات من الثانية .. يصفعهم بتثاؤب آخر و عيناه في حركة (بان ) ترقب و تنتقل من رأس لآخر .. تثاؤب محروس .. تنهض الرؤوس واقفة ، ترسل خطواتها جنوبا .. تستقر على مسافة من الرأس المتثائبة .. تعود الى لحظات دقيقة قطعها التثاؤب .. نبضات القلوب تحسب حساب الوقت الذي بدأ ينفد .. النظرات معلقة بأستار أفق رمادي معادلته النهائية صفر كبير لا يبعث على الطمأنينة أبدا .. أشباح تتراءى على امتداد الأفق ترسل إشارات سالبة فتخفق القلوب أكثر .. خلف الأفق مسرح المؤامرة يتهيأ للعرض الرئيسي .. في اللحظة المضروبة سينكشف الأفق مثل ستارة المسرح وهي تنسحب على الجوانب إيذانا ببداية العرض .. سنرى الممثلين و الجمهور الذي يصفق للعرض والذي يلعنه و في ختام العرض سيصعد كاتب النص المسرحي و المخرج و قبل أن ننهض من الكراسى سنستوعب المؤامرة كاملة و يومها لن نستطيع فعل شىء .. ليس في وسعنا التغيير في النص .. لقد انتهى العرض .. لن نستطيع كتابة نص مواز .. لن نستطيع كتابة نص آخر لقد غادر الجمهور المسرح و هبط الممثلون من خشبة المسرح وقبضوا الأجر وحياهم الجمهور وسط حالة من التصفيق الحار و الصراخ .. صراخ جمهور المسرح يصفع الرأس المتثائب فينهض مذعورا .. يلتفت يمنة و يسرى و امامه وخلفه و يتفقد أسفل قدميه فلا يرى أحدا .. الصراخ و التصفيق يضيقان عليه و يصفعانه عشرات المرات و لم يستبن شيئا .. يجرى دون هدى .. يقطع مسافة بعيدة ثم يعود أدراجه .. الصراخ لا يقوده الى مصدره و إنما يرمي به الى حلقة مفرغة حتى يصطدم بيد ترسل له كلمة حارقة : قف . اليد تسد عليه عينيه .. يرفع عينيه ببطء الى أعلى يلتقط وجها حاد النظرات .. يتفحصه .. ينفض نظراته و قد عجزت أن تتعرف على الوجه و اليد التي سدت عليه طريقه .. يرسل نظرات أخرى .. تعجز هي الأخرى .. يحاول التقدم مرة أخرى ترده اليد و تنزل كلمات أخرى : دا بلد تاني عندك تأشيرة دخول . الرأس المتثائب : أنا سوداني . اليد و الوجه : لا إنت شمالي ... قبل أن يستوعب الكلمات يصل رجل آخر .. تمنعه ذات اليد و ذات الوجه من العبور .. يرسل كلمات واسثغاثات : أنا جنوبي اليد و الوجه، صحيح إنت جنوبي لكنك خرجت بدون تأشيرة خروج .. الأفق ما زال غامضا و المسرح ما زال منصوبا و النصوص ما زالت تتحبَر و الممثلون يتهيأون لاختيار نصوصهم و المطابخ السرية تركن الى أركان قصية تطبخ ما يطيب على نار هادئة .. كل فرد في هذا البلد وكل مؤسسة و كل حزب و كل منظمة يجب أن تكون لهم نصوصهم و مسارحهم و مطابخهم .. يجب أن نسيطر على الأفق ، نرسم غموضه الآن على الآخرين و نزينه برؤيتنا .. وحدة لوطن ورثناه موحدا و سنبقيه موحدا ... يجب ألا يتثاءب أحد في هذا المقام .. لقد ولى عهد النوم يا عائشة ..