{ تتواصل في عصرنا، سريع التطورات، رحلة الخبر التي انطلقت من دق الطبول وصولاً إلى الإعلام الرقمى عبر الإنترنت والفضائيات والراديو الفضائى. وبدأت سرعة تطور وسائل الإعلام، التي تماثل البرق أو تتجاوزه، مع خواتيم سنوات الثمانينات من القرن الماضي، أوان السطوع اللافت لثورة الاتصالات التي شغلت الفضاء الفسيح، في تزامن مع انطلاق مفردات لغة العولمة التي غيّرت العالم كثيراً، ازدحم الفضاء بالقنوات التلفزيونية التي عززت عصر الاتصالات، وكان حضور العالم الثالث في البدء، كما هي العادة، خجولاً ينزع إلى التقليد والمحاكاة. { ونحن في السودان، ومع بداياتنا الباكرة في الحقل التلفزيوني، الذي يشكّل رافعة تستوجب أن يكون بمقدورنا تحقيق اختراق كبير على جبهة المشاهدة الفضائية، إلا أننا مازلنا نحبو في دروب الطفولة التلفزيونية الفضائية لعجزنا الهيكلي وغياب المعيارية في التوظيف والتدريب وتداخل الاختصاصات والبخل في الصرف على الإعلام { يحدث ذلك والعالم من حولنا يتحسب لهجوم التلفزيون بقنواته الفضائية على سائر عناصر العملية الإعلامية من صحف ومجلات وغيرها، فقد أظهرت البيانات استمرار نزيف خسائر المؤسسات الصحفية الكبرى في الولاياتالمتحدة، أكبر سوق للصحافة المكتوبة في العالم، حيث انخفض توزيع الصحف بأكثر من (01%)، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، وكان حجم التراجع في بعض الصحف أكبر منه في صحف أخرى، حيث انخفض توزيع «وول ستريت جورنال» بنسبة (71%)، التي كانت قفزت إلى المركز الأول باعتبارها أكثر الصحف الأمريكية توزيعاً على حساب «يو أس أيه توداي»، وانخفض إجمالي توزيع الصحف الأمريكية خلال الفترة من مارس إلى سبتمبر الماضيين بنسبة (.601%) إلى (.403%) مليون نسخة يومياً، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، في بلاد يبلغ عدد الصحف فيها (379) صحيفة يومية. { ومن أجل إيقاف النزيف في عالم تكنولوجيا الاتصال والتلاحم الرهيب بين تكنولوجيا المعلومات والإعلام فى عصر بات الإلكتروني ينافس فيه المطبوع، ويسبق فيه المرئي والمسموع؛ لجأت بعض الصحف إلى إصدار صحف مجانية وتابلويد في محاولة لزيادة فرص الإعلانات كما عمدت إلى تكبير حجم الصور والتركيز على الألوان، وتبني تقنيات حديثة في الإخراج الصحفي لتغيير شكل الصحيفة؛ لتصبح مشابهة لعملية التصفح على الإنترنت، وهي ما تعرف بعملية (نافيغيشن). { ومن البداهات الإشارة هنا إلى أن عصر الصورة هو الذي سيسود خلال العقود المقبلة، الصورة العابرة للفضاء التي تخترق كل الحواجز والجُدُر، وتدخل كل بيت ومكتب وميدان، الأمر الذي يجعل من القنوات الفضائية قِبلةً لكل المشتغلين بالأخبار والمتابعة اليومية والتوثيق والغناء والموسيقي والفلكلور. لكن الصحافة عندنا لم تستشعر بعد خطورة المنافس الفضائي الشرس الذي يطرق أبوابها بعنف وبالتالي لم ترتب أوضاعها للتكييف مع متغيرات ثورة الفضائيات المقبلة، وعندما تفتح الأبواب ستجد صحافتنا نفسها خارج المنافسة.