أصبح من الميسور في كل الدول العربية والإسلامية، استقبال البث التلفزيوني الغربي المباشر عبر الأقمار الاصطناعية التي ملأت الفضاء، حيث توجّه محطات تلفزيونية كبرى، برامجها المعدة خصيصاً للمناطق التي تستهدفها ببثها المباشر، فيشاهد المرء في هذه المناطق مشاهد دخيلة عليه لا تمت إليه بصِلة في المحتوى ولا الشكل! فعلى سبيل المثال، يشاهد المشاهد (بكل استسلام)عشرات العروض والمسابقات التي تُقام سنوياً في تلك البلاد للكلاب والقطط، حيث يتم عرض أصحابها وهم يقومون بغسلها ب«الشامبو» داخل أحواض البانيو ثم وهم يمشطون شعرها بماكينات تصفيف الشعر، وهم أيضاً يقومون بتعطيرها وإلباسها أفخر أنواع الثياب، والتقاط الصور التذكارية معها بعد ذلك! وتتوالى المشاهد التلفزيونية «العجيبة» التي تتضمن الكثير من الممارسات الانصرافية الفارغة التي يعتبرونها تحضراً ومدنية، وهي في حقيقتها لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ولاتحل المشكلات المستفحلة التي تعاني منها المجتمعات الإنسانية في الكثير من بقاع العالم، وأبرزها الجوع والفقر والمرض والأمية. ورغم تمسكهم بالقشور ينبري هؤلاء للتحدث عن ضياع حقوق الإنسان في البلدان النامية، متناسين أنهم أول من أضاعوها، وذلك بانصرافهم عن المشاركة الفاعلة والإيجابية في معالجة مشكلات العالم الثالث، بفضل ما يتوافر لديهم من إمكانات مادية وتكنولوجية هائلة، متناسين أنهم أضاعوا بنفس القدر حقوق تجاه أنفسهم وعائلاتهم وعلاقاتهم بجيرانهم، بحسبان أن الجار لا يعرف عن جاره شيئاً حتى تفوح رائحة جثته، وبحسبان أن الواحد منهم لا يعرف إغاثة الملهوف ولا نصرة المظلوم في أحداث الحياة اليومية، وهو يرى السارق ينهب امرأة عجوز في قارعة الطريق، والقاتل يطارد بمسدسه ضحيته من شارع إلى شارع، ومروّج مخدرات وهو يوزع سمومه، يشاهدون كل ذلك ببرود ولا تتحرك فيهم نخوة ولا نجدة وكأنهم يتفرجون على فيلم سينمائي! وتعرض محطات البث الفضائي الكثير من المشاهد الجارحة للحياء، سواء من خلال عروض الأزياء أو الدعاية لأماكن السياحة والاصطياف أوغير ذلك، مما يتسبب في الفتن بين الشباب بصفة خاصة، وبقية أفراد المجتمع ككل. ومن الأمور الملاحظة أيضاً على تلك المحطات الفضائية تركيزها على الموضوعات التي تحث على الانحلال الأخلاقي، والإباحية وإهمال العقيدة الدينية، وتكثيف عرض المغريات المادية وبهرجة الحياة وقشورها والإغراق في المتع بكافة أشكالها! ورغم بث هذا الزخم «الإنحلالي» يتم عرض بعض المشاهير من السياسيين والأكاديميين وكبار المسؤولين وغيرهم، وهم يتحدثون عن أهمية الأخلاق والنزاهة في العمل،وأداء الأمانة وعدم الكذب، وعدم الانسياق وراء الشهوات. بل نراهم يقدمون بعض مشاهيرهم من قادة الفكر وغيرهم ممن يتبوأون مناصب مهمة وحساسة، يقدمونهم للمحاكمات بتهم استخدام جرعة من مخدر، أو مرافقة غانية، أو قيادة السيارة في حالة سُكر، أو غير ذلك من التهم التي يعتبر الهدف من إثارتها وعرضها عبر شاشات التلفاز، الدعاية السياسية الفجة بدعوى ديمقراطية تلك المجتمعات، والكيل بمكيالين يربكان المشاهد لبثهم المباشر في الدول العربية والإسلامية!! إن تلك المجتمعات التي تبث إلينا محتوى إعلامياً يدس السم في الدسم يجب النظر إليها بأنها تحاول أن تزرع في عقولنا الكثير من المتناقضات، لأنها أشاعت المفاسد من جهة، وتتحدث عن الفضائل من جهة أخرى، ولأنها تبدو بريئة في كل ما تدعي وتقول وتبطن في الوقت نفسه مخططات لهدم الدين والعقيدة والفرد والأسرة والمجتمع في البلاد العربية والإسلامية، ولأنها تتحدث عن المثاليات، في حين أنها تسعى لغزو العقول بكل ما هو ضد الأخلاقيات! لقد فات شيء واحد على محطات البث الغربي تلك، وهو أن المجتمعات العربية والإسلامية تستطيع بسهولة التفريق بين الباطل والحق، والخطأ والصواب، والمفيد والمُضر، وذلك لأن عقيدتها ليس فيها الكيل بمكيالين، ولا الاستهداف بالغرض المشين.