قتل حزب البعث من أبناء الشعب السّوري خلال فترة حكمه، أضعافاً مضاعفة أكثر مما قتل من جنود الجيش الإسرائيلى الذي يحتل مرتفعات الجولان. بعد أن حكم الرئيس بشار الأسد ووالده سوريا (42) عاماً، بلغ عدد المواطنين السّوريين الذين قتلهم النظام البعثي منذ اشتعال انتفاضة الشعب السوري قبل أكثر من عام، آلاف الشهداء، إضافة إلى عشرة آلاف سجين. عدد القتلى السوريين الذين قتلهم الرئيس بشار الأسد و(الحرس القديم) لوالده، يزيد على عدد القتلى الذين أزهقت إسرائيل أرواحهم في مجازر غزَّة وغير غزَّة. جريمة آلاف الشهداء الذين جندلهم الرئيس بشار الأسد رمياً بالرصاص والصواريخ والمدافع والطائرات، هي المطالبة بالحرية والديمقراطية. تلك الإبادة اليومية المستمرة لأبناء الشعب السوري التي ارتكبها وما يزال يرتكبها بشار الأسد، تعيد إلى الأذهان مجازر والده الرئيس حافظ الأسد الذي قتل في مدينة (حماة) وحدها عام 1982م، عشرة آلاف قتيل خلال (27) يوماً دامياً. مجازر بشار الأسد تعيد إلى الأذهان مجازر والده ضد الفلسطينيين في لبنان، عندما قتلت قواته الآلاف منهم عام 1976م. الرئيس حافظ الأسد لم يقتل خلال ثلاثين عاماً من حكمه من الجيش الإسرائيلى الذي يحتل (الجولان) منذ يونيو 1967م، عدداً يماثل ذلك العدد الذي قتله من الفلسطينيين. بدأ البعثيون السّوريون عهدهم الدموي في سوريا بإعدام دعاة الوحدة مع مصر، وقتل كلّ من يمتّ إلى العروبة والإسلام بِصِلة. وذلك عندما قاد البعثيون انقلاباً عسكرياً ضد الوحدة مع مصر. قاد ذلك الإنقلاب ثالوث الرئيس اللواء أمين الحافظ (أبوعبده) وسليم حاطوم من سلاح المظلات (أخوه ضابط في الجيش الإسرائيلي) وصلاح الضّللي. في عهد ذلك الثالوث العسكري الدموي، أصبح الجاسوس (إيلي كوهين) مرشحاً للوزارة السّورية. إذ كان صديقاً شخصياً حميماً لاولئك الثلاثة، يهدي إليهم وإلى زوجاتهم الهدايا الثمينة وغير الثمينة، كما كشفت العديد من الكتب. بدأت علاقة الرئيس البعثي أمين الحافظ بالجاسوس الإسرائيلى (إيلي كوهين) في الأرجنتين، عندما كان (الحافظ) ملحقاً عسكرياً في سفارة الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا). دخل (إيلي كوهين) عبر علاقته بأمين الحافظ إلى عاصمة الأمويين دمشق، باعتباره رجل أعمال سوري اسمه (كامل أمين ثابت) ينشط في مجال المال والأعمال في دول أمريكا الجنوبية. في عهد البعث السّوري أصبح (كوهين) ناشطاً في حزب البعث. حيث قدّم الجاسوس (إيلي كوهين) إلى إسرائيل المعلومات التي مكّنتها لاحقاً من احتلال (الجولان) بسهولة. وكان (كوهين) بحكم علاقته الوثيقة بأركان الحكم البعثي في دمشق، يتفقَّد القوات السّورية في جبهة مرتفعات الجولان، ولعب (كوهين) دوره كاملاً في السياسة السّورية لمدَّة أربعة سنوات، حتى قبضه اللواء (سويدان) وتمَّت محاكمته وإعدامه في 18/مايو1965م. ولكن لم يقبض البعثيون على أحد من شبكة (كوهين). طوال أربعة سنوات كان (كوهين) يحضر إجتماعات القيادة البعثية السّورية، وشارك في مناقشات الوحدة الفوريَّة والمدروسة، وصنَّف العرب إلى تقدميين ورجعيين، وخلب عقول الشباب بحديثه العقائدي عن دور حزب البعث والرسالة الخالدة، وضرورة الفصل بين الدين والدولة. طوال أربعة سنوات كان الجاسوس (كوهين) يتحدث في برنامجه اليومي في الإذاعة السّورية عن الوحدة والحرية و الإشتراكية. في عهد البعثيين الدَّامي الذي يمثل الرئيس بشار الأسد فصله الأخير، كتبت صحيفة (جيش الشعب) السّورية في أبريل 1967م، قبل سقوط الجولان بشهرين، في عربدة عقائدية ضالّة، كتبت تتهجَّم على الإسلام (الذي لايجدي فتيلاً)، وأنّ (الذي يؤمن بالله والأديان دمية محنطة في متاحف التاريخ)، وأن (الإنسان الجديد يعلم أن بعد الموت ليس هناك نعيم أو جحيم، بل سيصبح ذرَّة تدور مع دوران الأرض، لذلك فإن الإنسان الجديد مضّطر ليقدِّم إلى أمته كلّ ما يملك دون مقابل، كزاوية صغيرة في الجنَّة مثلاً). بذلك العبث بالعقائد والحريات ودماء الشعب واضطهاد الأحرار والتفريط بأمن الوطن والعبث بشرف حرائر سوريا، ظلّ البعثيون يحكمون سوريا حكماً طاغوتياً، يقتل كل من يؤمن بالعروبة، ويشنق كل من يؤمن بالإسلام، ويرشِّح جواسيس إسرائيل للوزارة السّورية. في جنون المذابح والإعدامات والإغتيالات البعثية لم ينجُ أحد. لم يقتصر الأمر على قيادات الإسلاميين مثل عصام العطار الذي لاحقته أجهزة الأمن والتعذيب فعاش طريداً في المنفى في ألمانيا، بل لاحقت أجهزة الأمن البعثية مفكِّر حزب البعث وأحد مؤسسيه ورئيس الوزراء صلاح الدين البيطار لتغتاله في المنفي خارج سوريا، بعد أن أعلن تأسيس جبهة معارضة للحكم الديكتاتوري. بل في جنون المذابح والإغتيالات، بعد اغتيال صلاح الدين البيطار، أصدرت الحكومة البعثية في دمشق حكماً بإعدام مؤسس حزب البعث ميشيل عفلق الذي هرب إلى العراق ليعيش بقية أيامه. كما طالت الإغتيالات البعثية أعلام الصحافة اللبنانية. حيث اغتالت سليم اللوزي رئيس تحرير مجلة (الحوادث) البيروتية. والقائمة تطول. لقد اشتعلت اليوم انتفاضة الشعب السوري في كل المدن والأرياف ضد الطغمة البعثية الدموية الحاكمة، التي ظلت خمسين عاماً بلا ضمير ولا رقيب ولا رادع ولا مساءلة، تعربد في الفضاء السوري، تبيد الشعب وتعذِّب الأطفال حتى الموت، وتقفز على جثث القتلى، وتملأ السجون بالأحرار، وتغتصب الحرائ، وتدخن السيجار داخل المساجد ثم تهدم المساجد. الحقبة البعثية الدامية المشينة في سوريا وصمة في جبين الإسلام والعروبة والإنسانية. كانت الفرصة متاحة أمام الرئيس (الشَّاب) بشار الأسد في الإنتصار للشعب والحرية والديمقراطية، وإسقاط (الحرس البعثي القديم). لكن بشار الأسد اختار أن يعيش في جلباب (الحرس القديم)، جلباب المذابح والدماء وإبادة الشعب. لكن الأحرار في كلّ مكان يثقون في انتصار انتفاضة الشعب السّوري، ثقتهم في طلوع الفجر بعد الليل مهما طال.