«عفيفي عبد الوهاب» سفير مصر بالخرطوم، شخص هادئ الطباع، بسيط، يستمع جيداً، يتعامل مع الأزمات بصبر، وبسياسية النفس الطويل، صفات تشبه ملامح الدبلوماسية المصرية، وسياستها الخارجية، فالرجل تولى مهام السفارة المصرية لمدة عامين في الخرطوم، شهد فيهما السودان قضايا وأزمات عميقة على المستوى الداخلي، كما كانت العلاقات مع مصر تشهد بعض الهنات، وكان السفير حكيماً في إدارتها، وسياسة الصبر والنفس الطويل التي اتصف بها «عبد الوهاب» كانت الأنسب على الإطلاق لإدارة علاقات حساسة كالعلاقات المصرية السودانية. إنتهت مسؤولية الرجل الحكيم في الخرطوم بهدوء، وسوف ينتقل إلى مكان آخر لا يقل أهمية عن محطة السودان، فسوف يتولى مهام مندوب مصر في الجامعة العربية، ويأتي محله السفير «عبد الغفار الديب» مدير إدارة السودان بالخارجية المصرية. أيام قليلة ويحزم «عبد الوهاب» حقائبه إلى القاهرة، (الأهرام اليوم) التقته بمقر مكتبه بالسفارة، وتحدث معنا عن مجمل وأدق التفاصيل خلال فترة توليه عمل السفارة، وختم الحديث معنا بكلمة حب وجهها للسودانيين بتأثر شديد وكأنه أحد أفراد هذا الشعب العريق، وأوصى السودان قيادة وشعباً عبر (الأهرام اليوم) بمقولة «جدودنا زمان وصونا على الوطن». وفي ما يلي نص الحوار. سنتان، هي فترة عملك بالسودان، نريد أن نقف على أهم ملامح هذه الفترة، لا سيما على صعيد العلاقات الاقتصادية بين مصر والسودان؟ - لو تحدثنا عن عن هذا الشق من العلاقة بين البلدين؛ نجد أن هناك قفزات ملحوظة حدثت في ما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية، سواء أفي حجم الاستثمارات المصرية، أو الاستثمارات المشتركة. الاستثمارات المصرية بالسودان بلغ حجمها 2،5 مليار دولار، الجزء الأكبر منها لصالح مجموعة القلعة الاستثمارية، هناك مصنع التكامل في عطبرة بطاقة إنتاجية مليون و600 ألف طن أسمنت في العام، وهو في مرحلة الإنتاج التجريبي الأولى، وسيطرح إنتاجه بعد أيام قليلة في السوق السودانية، وسوف يؤدي إلى فائض من الأسمنت بالسودان، وكذلك مصنع للسكر في كنانة، بطاقة 600 ألف طن في العام، ومجموعة القلعة حصلت على امتياز التنقيب عن البترول في شمال وجنوب السودان، بالإضافة إلى التنقيب عن الذهب في شرق السودان، كما تجري المجموعة دراسات الآن في الاستثمار الزراعي، لزراعة 500 ألف فدان، وتفكر في النقل النهري، وربما في السكة الحديد أيضاً. جملة استثمارات المجموعة حوالي مليار دولار. وسبقت مجموعة القلعة في الاستثمار بالسودان مجموعة السويدي للكابلات، وهي موجودة منذ سنوات، وزاد نشاطها في السنوات الأخيرة، لتصل استثماراتها في السودان إلى ملايين الدولارات، ولديها مصنع للمحولات وخطوط الكهرباء، وكانت مجموعة السويدي من أسبق المصريين استثماراً بالسودان، ونحت المجموعة إلى بعض المشروعات الإنسانية، لمساندة الإخوة في السودان، إذ قامت بإنشاء مستشفى للأطفال بتكلفة 5 ملايين دولار لعلاج الأطفال حديثي الولادة على نفقة المجموعة، وهذا النهج الإنساني نحييه من قبل رجال الأعمال المصريين تجاه أشقائهم في السودان فهذا واجب عليهم. في مجال المقاولات هناك مجموعة دريم لاند، وهو مشروع مشرف، وهو عبارة عن مدينة سكنية نسخة أخرى من دريم لاند بمدينة 6 أكتوبر بمصر، وسوف يسكنها 100 ألف نسمة، وهي نواة لتجمع عمراني كبير، وهناك أيضاً مجموعة مينا التي تقوم بتنفيذ منتجع الياسمين السكني، وأنا حضرت تدشين المرحلة الأولى منه بافتتاح 120 فيلا، من إجمالي 600 فيلا، وهذا المشروع يدل على جدية واضحة، وتوجه من رجال الأعمال المصريين نحو السودان. وهناك فرست للاستثمارات العقارية، وشركة المقاولون العرب التي قامت بإنشاء كوبري شندي المتمة، برأس مال بلغ 50 مليون دولار، ويقومون بإنشاء بعض المشروعات في جنوب السودان، التي تقيمها الحكومة المصرية هناك. ما حجم التبادل التجاري بين البلدين الآن؟ - حجم التبادل التجاري أيضاً شهد تطوراً ملحوظاً إذ بلغ 500 مليون دولار، وأقول إن العلاقات الاقتصادية إلى الآن لم ترق إلى تطلعات القيادة في البلدين، وهناك رغبة في المزيد من هذا التبادل التجاري، وكذلك زيادة حجم الاستثمارات المصرية لا سيما في مجال الزراعة، وهناك توجه بالفعل من رجال الأعمال المصريين للاستثمار في هذا المجال، وهناك مجموعة بلتون للاستثمارات جاءت إلى السودان منذ شهرين وكان معها وزير الزراعة المصري، وزاروا بعض المواقع لتمويل بعض المشروعات التي تحتاجها مصر، ولديها اتفاق مع شركة كنانة السودانية لزراعة بعض الأراضي برأس مال 500 مليون دولار. وهناك بعض رجال الأعمال المصريين سيقومون بزراعة 200 ألف فدان، بدأوا ب 20 ألفاً منها لزراعة القمح كنوع من التجربة وجاءت النتيجة مبشرة. وفي مجال البنية التحتية والطرق، ماذا تم في الفترة الأخيرة بين البلدين؟ - هناك الطريق الساحلي الذي انتهى الجانب المصري من رصف الجزء الخاص به تماماً بطول 840 كم، والجانب السوداني انتهى من الشق الأكبر من الجزء الخاص به ولم يتبق سوى 7 كم فقط، ومن المأمول أن يتم افتتاح الطريق في غضون الأسابيع القليلة القادمة، وسوف يسهل هذا الطريق من تبادلات الأنشطة بين البلدين على جانبي الحدود، وسيكون إضافة قوية لوسائل الاتصال، هناك طريق من دنقلا إلى أرقين، ومن أسوان إلى أرقين، وهذا الطريق انتهى تماماً، ولم يتبق منه سوى الوصلة من دنقلا إلى أرقين داخل الأراضي السودانية بطول 400 كم، وهذا المشروع قامت به مجموعة الزوايا، وكانت السيدة «فايزة أبو النجا» وزيرة التعاون الدولي المصرية حريصة على تقديم كل ما من شأنه تسهيل عمل المجموعة، من أجل أن يتم رصف الطريق في مدته، وهذا سيكون إضافة كبيرة في طرق الربط بين البلدين. رغم كل مميزات الاستثمارات في السودان إلا أنه ما زال هناك توجس من قبل رجال الأعمال المصريين في الإقبال على هذا البلد. هل لنا أن تقف معنا على أهم العقبات التي يمكن أن تقابل المستثمر في السودان وكيفية تذليلها؟ - الحقيقة أن قضية العقبات هذه ربما توجد في كل مكان من دول العالم، حتى في مصر، ودائماً نقول إن كل بداية صعبة، وبداية أي مشروع دائماً صعبة، ولكن حينما نضع أقدامنا ونعرف المكان جيداً، ونعلم مفاتيحه، وأبوابه، أعتقد وقتها أن الأمور تسير بشكل سلس، والإخوة في السودان يحبذون الاستثمار المصري أكثر من غيره، والأبواب هنا مفتوحة للمستثمرين المصريين، وما عليهم إلا أن يأتوا، ويستطلعوا المجالات التي تناسبهم، لا سيما في المجال الزراعي، وعلى الجانب السوداني تحديد الأماكن، وتوفير كافة الأمور للنجاح، ففي الاستثمار الزراعي يجب أن تكون التربة صالحة، وأن تتوفر المياه، وأن تكون هناك نسبة ملوحة معينة، فهناك شروط ومعايير معينة لا بد من البداية أن يلتفت إليها الجانب السوداني. وأقول ليست هناك أي عقبات حالياً سواء أفي الزراعة أو في الاستثمارات الأخرى، ولكنني أطالب المستثمرين قبل القيام بأي مشروع بأن يقوموا بجولة استطلاعية أولاً، وإجراء دراسات الجدوى، وهذا موجود في أي مكان وليس في السودان وحده، وفي الحقيقة أقول إن النتائج التي تحققت من الاستثمارات المصرية بالسودان كانت مبشرة تماماً، وبالتالي عليهم أن يأتوا إلى السودان، ويجب أن يكونوا أسبق من أي مستثمر في العالم. وعلى المستوى الإنساني للأزمات في السودان، إلى أي مدى كانت مصر حاضرة؟ - مصر دائماً تسبق الجميع في هذا المجال، وعلى مصر مسؤولية تجاه الأشقاء في السودان، وهذا من باب الواجب على مصر، ومن حق السودان علينا، وليس من باب المن، بالنسبة لدارفور كنا سباقين بمستشفى ميداني به عدد من الأطباء منذ البدايات الأولى لدارفور في عام 2004، والمستشفى موجود بالفاشر، ويقوم يومياً بعلاج أهل دارفور، وتنقل طائرات مصرية إلى هذا المستشفى بعض مواد العون الإنساني، ويقارب عدد حمولات هذه الطائرات ال 400 حمولة، وأيضاً القوافل الطبية لدارفور من آن لآخر تزايد عددها من مارس 2009 عقب صدور قرار الجنائية، وكان هذا مطلب من الأشقاء بالسودان، بأن تقوم مصر بتقديم دعم في المجال الطبي بإرسال 40 طبيباً لمدة 6 أشهر، لسد ما يمكن أن يحدث من عجز بعد طرد 13 منظمة دولية عاملة بدارفور، واستجابت مصر وأرسلت 40 طبيباً، ورافقت القافلة الطبية كمية كبيرة من الأدوية حوالي 5 أطنان، وكذلك مئات الأطنان من مواد العون الإنساني من أغذية وبطاطين وغيرها، وتم توصيلها إلى شبكة منظمات دارفور، وقام مركز القاهرة الإقليمي لفض المنازعات بتدريب المجتمع المدني بدارفور على عمليات حفظ السلام، كما قامت مصر بحفر عدة آبار في دارفور، وبمشاركة الجامعة العربية تم إنشاء مجموعة من القرى النموذجية بدارفور، وما زال الدعم المصري لدارفور مستمراً. على مستوى الجنوب كنا أول الأطراف المعنية بإنشاء بعض المشروعات بما يجعل خيار الوحدة جاذباً، فهناك العيادة المصرية في جوبا، ويتلقى بها العلاج الكثير من الجنوبيين حتى القيادات، وتم إنشاء مجمع المدارس في جوبا وتم تسليمه للسلطات هناك، والآن نقوم بإنشاء مدرستين في كل من واو وواراب، وبإنشاء عيادتين أيضاً، وأوشك الانتهاء من ذلك، ومن المنتظر تسليمهما ربما في نهاية أغسطس، ومصر سوف ترسل طاقماً من الأطباء للعمل بهما، وتزويدهما بالأدوية، ومنذ فترة طويلة تم الانتهاء من محطة توليد الكهرباء في واو، وحضر افتتاحها رئيس حكومة الجنوب «سلفاكير ميارديت» بحضور وزير الكهرباء المصري «حسن يونس»، وهي من ضمن 4 محطات لتوليد الكهرباء، وسيتم تسليم المحطات الثلاث الباقية بعد حوالي شهر من الآن إلى سلطات حكومة الجنوب، وفي ما يتعلق بالمشروعات المائية هناك مشروع لتطهير بحر الغزال، وإنشاء بعض السدود الصغيرة عليه، وعلى بحر الجبل، وإعادة تأهيل بعض الكباري الصغيرة بتكلفة 26 مليون دولار، بناء على مذكرة تفاهم بين مصر وحكومة الجنوب من خلال وزارة الري المصرية في عام 2006، وهناك أيضاً جامعة الإسكندرية، التي سيتم الدفع إليها بطاقم من هيئة التدريس بجامعة الإسكندرية، وإلى حين الانتهاء منها فهناك طلبة جنوبيون يدرسون في جامعة الإسكندرية هذا العام، وهناك أيضاً دورات تدريبية في كافة المجالات، ومصر تقدم 300 منحة دراسية متنوعة للجنوبيين في الجامعات المصرية، ومتروك اختيارهم للجنوبيين.