يستغرب المرء من الإقتراحات التي تقدّم بها رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى ، لوفد التفاوض الحكومي بأن يضمَّن الميل 14 ضمن حدود جنوب السودان ، و ثابو أمبيكي يعلم الحقيقة ، و بالتأكيد أنه إطّلع على إتفاقية السلام من الألف إلى الياء، التي تنص بصورة قطعية الدلالة على الحدود الفاصلة بين الشمال و الجنوب ، و هي حدود 1956 غير أن الرجل لحاجة في نفسه أو لأمر أملي عليه ، يود أن يفرض إقتراحاً دون مرجعيات ، و يبتكر إبتكارات لا نعلم من هو الذي أسرَّ بها إليه ، و ذلك في تقديري ، يستهدف خلط الأوراق ، و القفز فوق القطعيات ، و لا أظن أن ذلك يكون في دائرة الإلزام. و المعلوم بأنَّ لجنة أمبيكي ، هي لجنة وساطة ، وليست جهة قضائية تصدر الأحكام الملزمة دون النظر حتى إلى القواعد القانونية التي بموجبها تُصدر مثل هذه الأحكام. و يذكرني إقتراح أمبيكي فيما يتصل بالميل 14 ، ذلكم التجاوز الخطير الذي وقعت فيه لجنة الخبراء لتحديد حدود أبيي فتجاوزت تلك اللجنة مهامها ، عندما لم تستطع تحديد مناطق المشائخ السبع لدينكا نقوك ، و من ثم الوصول إلى ما يفيد بحدود منطقة أبيي ، فأتت بإقتراحات لا علاقة لها بما أسند إليها من مهام ، و كان الأولى لتلك اللجنة إن كانت شفافة و حاذقة في تدبيج تقاريرها ، أن توضّح بكل جلاء عدم قدرتها في التعرف على حدود تلك المنطقة في العام 1905 ، الأمر الذي لو لم يتم تداركه لكاد أن يفضي بنا جميعاً إلى خلاف يؤدي إلى نسف إتفاقية السلام من الأساس. و لجنة أمبيكي بإصرارها على مقترح الميل 14 ، تتحول إلى جسم لا علاقة له بالتوسط ، و إنما إلى هيئة بعبع يمسك بالعصا ، و يهدد الذي يعصيه بالضرب على الرأس ، تمهيداً لأكلة يتجمعون على قصعة هي السودان ، و أكبر الأكلة هم أولئك الذين يتحدثون بالإنابة عن مجلس الأمن فيما لو لم يتم إنصياع حكومة السودان لإقتراحات ثابو أمبيكي الغريبة الأطوار، و الشاذة الأبعاد . و الأمر المستغرب الآخر بأنَّ القرار الأممي رقم 2046 قد نص في إحدى فقراته على ضرورة أن تتفاوض حكومة السودان مع ما يسمى الحركة الشعبية ، قطاع الشمال ، بالرغم من أن الذين صاغوا ذلك القرار يعلمون بأن مناطق النيل الأزرق ، و جنوب كردفان ليستا تحت حكم الحركة الشعبية ، و إنما هما جزءان أصيلان يتبعان لسيادة شعب و حكومة السودان . فعرمان و عقار و الحلو هم جميعاً جزء من دولة جنوب السودان ، و ينتفي هنا أي منطق للتحاور معهم ذلك لأن التفاوض مع الجنوب يقتصر على النقاط العالقة و ليس من ضمنها إطلاقاً ما يتصل بشأن له علاقة بإمر داخلي بالسودان. و مجلس الأمن و أمبيكي يودون ممارسة إختصاصات ليست من حقهم ، و مجلس الأمن تجاوز إختصاصه ، و هو يقحم الحركة الشعبية قطاع الشمال في قراره ،و هو بذا تجاوز مهمته في فض النزاعات بين الدول إلى فض النزاعات الداخلية بين الأحزاب . و ثابو أمبيكي عندما يقترح إقتراحاً يقصد به الإلزام ، و يوجه العصا لمن عصى، إنما يمارس ممارسة لا تمت لأخلاق الوساطة التي ينبغي أن تنطلق من منطلقات الحيادية ، و هو بالتالي بدأ يخوض مع الخائضين الآخرين في مستنقع التآمر، و هنا أصبح واضحاً بأن للمكر آلاف الوجوه ، و للنفوس المريضة العديد من مسارات اللف ، و الدوران . إنها سرطانات كثيرة ، و أورام خبيثة تأخذ طريق النمو غير الطبيعي لتفتك بهذا الجسم الغالي الذي نسميه السودان .