انفلات كبير شهده سعر الدولار حيث بلغ 28 جنيها الأسبوع الماضي، ما دفع رئاسة الجمهورية إلى عقد اجتماع طاريء بالطاقم الاقتصادي والأمني بالدولة لإيجاد الحلول . تمخض الاجتماع عن إجراءات صارمة على رأسها تنفيذ عقوبات ضد المضاربين بالدولار تصل حد الإعدام، مع منع السفر الحكومي للخارج إلا للضرورة القصوى، لتخفيف الضغط على الدولار، بالإضافة إلى وقف طلب شراء الشركات الحكومية للنقد الأجنبي وتنظيمه عبر البنك المركزي مستقبلاً، فضلاً عن تنظيم الاستيراد ووقف تمويل التجارة المحلية مؤقتاً، وتوجيه التمويل للقطاعات الإنتاجية والصادر والصناعات التحويلية. فيما يخص السياسات النقدية، أعلن بنك السودان تفعيله القوانين الخاصة بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي وتنظيم العمل المصرفي، وذلك لإحكام التعاملات المصرفية فيما يتعلق بالاستيراد والتصدير، وأكد البنك على إجراءات مشددة ضد المصدرين الذين لا يستعيدون حصائل الصادر إلى داخل البلاد سيعلنها المركزي في الأيام القادمة. قرارات لجم الدولار كان لها التأثير المباشر على سعره في السوق السوداء، حيث تراجع خلال اليومين الماضيين إلى "22" جنيها ظاهرياً تبدو القرارات و كأنها أدت الهدف المنشود، بيد أنها وفي الوقت ذاته ظهرت لها انعكاسات أخرى سالبة على أسعار السلع الضرورية، والتي تشهد ارتفاعاً متسارعاً وغير مسبوق. صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير، كان له إرشادات واضحة لتحسين سعر الصرف لم تتضمن في طياتها أي إشارات إلى إجراءات أمنية، بل كانت تركز على تحقيق مبدأ الشفافية ومكافحة الفساد. وأكد التقرير أن تحقيق مرونة سعر الصرف سيظل هدفاً بعيد المنال، دون إجراءات حقيقية في سعر الصرف يعمل على تخفيض علاوة السوق السوداء، ربما كان ذلك دافعاً لبنك السودان المركزي أن يعلن عن سياسات "ترشيد الاستيراد وحفز وتشجيع الصادرات" حتى لا يلجأ إلى سياسة تعويم الجنيه التي ينصح بها البنك الدولي. في هذا الصدد قال مدير بنك السودان بالإنابة بدرالدين قرشي مصطفى في وقت سابق إن المركزي ماض في سياساته المتعلقة بترشيد الاستيراد وحفز وتشجيع الصادرات، بالإضافة إلى سياسات وإجراءات تكميلية في تنظيم الحسابات الحرة والخاصة والتحويلات الخارجية، فضلاً عن إتخاذ حزمة متكاملة من شأنها أن تعمل على تحسين الميزان التجاري وميزان المدفوعات، ما ينعكس إيجاباً على استقرار سعر الصرف وتقوية الجنيه السوداني . السياسات التى يتبعها بنك السودان لمجابهة الأمر، والمنشورة عبر موقعه الإلكتروني، تمضي في اتجاهين: الأول هو: الاستمرار في تطبيق نظام سعر الصرف المرن المدار ( Managed Float) ، مع العمل على معالجة تعدد أسعار الصرف وتقليل الفجوة فيما بينها، والاتجاه الثاني: مرتبط بالقطاع الخارجي: من خلال تحقيق التوازن في القطاع الخارجي وتحسين أداء ميزان المدفوعات عن طريق إحكام إدارة جانبي العرض والطلب على النقد الأجنبي والاحتياطيات، الأمر الذي يتم عبر التحكم في العرض بتحسين سياسات شراء الذهب وتشجيع الصادرات غير البترولية، إلى جانب العمل على جذب تحويلات المغتربين.. وبالمقارنة بين مخرجات الاجتماع الرئاسي، نجد أنه لايوجد أي تغيير واضح أو ملموس فيما يخص السياسات النقدية. اتفق خبراء اقتصاديون على أن السيطرة على أسعار الصرف تتطلب تدابير واتباع سياسات حقيقية مقللين من جدوى الاجراءات الأمنية التى تتخدها الدولة تجاه المضاربين، ومضى بعضهم في وضع الحل بين فكي (تحرير أسعار الصرف) ورفض فريق آخر الفكرة شكلاً و موضوعاً . المحلل الاقتصادي محمد الناير اعتبر الاجراءات الأمنية والإدارية ليست الطريقة المثلى في حل قضية سعر الصرف، وإنما أمر تكميلي، وقال الناير ل(آخر لحظة) إن الحل يكمن في تطبيق سياسات ذات مدى قصير مثل لها جذب مدخرات المغتربين و تعديل سياسات شراء الذهب، إلى جانب ترشيد الإنفاق العام واضعاً مكافحة الفساد على رأس الرمح، و قال إن مكافحته لا تقتصر على ما يكشفه تقرير المراجع العام، وإنما في كافة الآليات الأخرى، و نبه الناير إلى ضرورة إتباع سياسات على المدى المتوسط والبعيد تعمل على زيادة الإنتاج و الإنتاجية و نبذ البيروقراطية، بغية جذب الاستثمارات الكبيرة في الفترة القادمة، إلى جانب حل مشكلات الأراضي و العمل على حل النزاعات فيها . و بالرغم من تأكيد الحكومة- ممثلة في وزارة المالية وبنك السودان- بأن ليس هنالك أي اتجاه لتعويم سعر الصرف للجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية، إلا ان وزير المالية الأسبق عبد الرحيم حمدي يصر على أن حل مشكلة الدولار تكمن في تحرير الدولار، بحجة أن التحرير سيعمل على خلق توازن بين العرض والطلب عليه، و لم ينس الخبير التنبيه إلى الآثار المتوقعة من الخطوة والتي يصفها حمدي بالهزة العنيفة في الاقتصاد مع زيادة مريعة في الأسعار، إلا أنه يرى أنه بمرور الوقت سيستعيد السوق توازنه في ظل حرية الاقتصاد. كارثة اقتصادية و بالمقابل يصف الخبير الاقتصادي كمال كرار تحرير أسعار الصرف بالكارثة الاقتصادية، وقال إن الخطوة ستجعل الحكومة في موضع ملاحقة للسوق الموازي والأسعار التي يفرضها، وجزم بأن سعر الصرف لا يمكن معالجته بإجراءات إدارية و أمنية، وإنما بتعزيز العملة الوطنية بالإنتاج. ورأى الحل لهذه المعضلة في تقليل الضغط على الدولار عبر خفض الواردات وحظر الواردات الكمالية، وحصر الاستيراد في السلع الضرورية، وقال كرار في حديثه ل(آخر لحظة) إن عمليات الاستيراد أصبحت (متفلتة) في ظل شح مصادر النقد الأجنبي في البنك المركزي، بحسبان أن الدولار أصبح سلعة يتحكم في سعرها العرض والطلب، مؤكداً أنه لا يتعارض مع انضمام البلاد إلى منظمة التجارة العالمية، ونصح بوضع سياسات وإجراءات تعمل على تنظيم الاستيراد عقب الانضمام، واتفق كرار مع القرار الصادر والقاضي بإلغاء سفر الوفود إلى الخارج من أجل تخفيض الإنفاق وتقليل الطلب على الدولار.