ينظر المفكر إلى الماضي بعيون الحاضر، ويهدف بشكل أساسي إلى تقديم خدمة لصالح المجتمع الإنساني، الفكر الإسلامي المعاصر. وفق هذه الرؤية يجد نفسه في مأزق يضعه في مواجهة مع العديد من التحديات، منها ما هو مرتبط بالعولمة، وما أنتجته من مفاهيم وقضايا فكرية ومصطلحات تحتاج إلى تفكيك وتحليل يربطها بالواقع المعقد. في هذا الخضم تبحر سفينة الفكر الإسلامي المعاصر.. هنا ينهض السؤال: كيف للفكر المتزن أن يتعايش مع التيارات الأخرى من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. هذا السؤال وغيره وضعت علي طاولة للنقاش في ندوة (التيارات الإسلامية وتحديات العولمة)، والتي جاءت ضمن برنامج جائزة الطيّب صالح العالمية للإبداع الكتابي، و التي تحدث فيها كل من البروفيسور عبد الله علي إبراهيم، والدكتور النور حمد، والدكتور إبراهيم محمد زين. *الفكر الإسلامي والحداثة الدكتور النور حمد المفكر الإسلامي قال إن التيارات الإسلامية غير الحركات الإسلامية، لأن التيارات الإسلامية هي تيارات فكرية والنطاق الإسلامي نطاق واسع غير العالم العربي، فهو يشمل (تركيا، إيران، الهند، باكستان وماليزيا)، وهي مناطق ثقل إسلامي كبير جداً، لذلك يصبح الحديث عن التيارات الإسلامية أوسع بكثير عن الحركات الإسلامية، وإن كانت الحركات ممتدة.. فالتيارات هي فكرية تجديدية والحركات يمكن القول إنها حركات ينطبق عليها الإسلام السياسي، فالعالم العربي فيه ما يعرف بالحركات الإسلامية (السودان، الأردن، مصر، تونس، الجزائر، لبنان، سوريا، العراق، المغرب ودول الخليج)، ولذلك هنالك (مشايلة) بين الاثنين في الأطروحات والرؤى والمقاربات فيما يتعلق بتحديات العولمة للفكر الإسلامي أو يمكن القول ما يطرح من فكر إسلامي من خلال تنظيمات سياسية، ويضيف حمد مثالاً لذلك الوهابية كنمط لنظام دولة بين التحالف بين الفكر الوهابي وآل سعود. وأشار النور إلى أن هنالك تحدي الحداثة للفكر الإسلامي، ومن تحدي الحداثة انبثق تحدي العولمة، لأن إشكالية التجديد قديمة بدأت في القرن الثالث عشر بما عرف بعصر النهضة العربية، ومحاولات محمد عبده ورشيد رضا وجمال الدين الأفغاني وبعدها حركة الإخوان المسلمين في بدايات القرن العشرين، ومن ثم ظهرت العولمة كظاهرة جديدة رغم أنها ظهرت في فترة الاستعمار، وهي محاولة جهة تنميط جهة أخرى ولكن العولمة ما بعد الحداثة ارتبطت بثورة التقنية والاتصالات والمواصلات فى القرن العشرين والجدل حولها حدث بصورة أكبر بين العام 1990 إلى 2000م، واستمر حتى الآن وأصبح تحدياً قائماً، وفي مواجهة كل هذا أقر النور بأن الفكر الإسلامي لم ينهض تجاه تحديات الحداثة فيما ينبغي، مضيفاً أن هنالك قصوراً كبيراً فيما يتعلق بالفكر الإسلامي. ومن الناحية العملية قال إذا نظرنا إلى الفضاء العربي الإسلامي نجد أن المسيطر هو تيارات الإسلام السياسي ولديها إشكالات كبيرة جداً في قضايا الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية وقضايا المرأة، ومع أطروحات الحداثة، ولذلك الفشل وعدم القدرة على مواجهة تحديات الحداثة في مستوياتها المختلفة، انعكس بصورة تلقائية على الفكر الإسلامي، وهي تحديات أصبحت أكبر وأخطر، وهذا ليس قاعدة عامة على التيارات الفكرية الإسلامية، فهنالك استثناءات قليلة، ففي السودان مثلاً هنالك طرحان فكريان في نقد ومواجهة تحديات الحداثة، هما طرحا المفكر محمود محمد طه وطرح أبو القاسم حاج حمد، ويمكن البناء علمياً والتمدد والتجديد فيهم، وهنالك محاولات أيضاً لحسن حنفي ومحمد عبده ولكنها تظل محاولات لإيجاد مقاربات فكرية تستوعب الحداثة وتوطنها داخل الفكر الإسلامي الكبير، بعكس التيارات الإسلامية السياسية التي لم تنشغل بقضايا التجديد بقدر ما انشغلت بصراع السلطة والتنظيم، ومثال لذلك الدكتور حسن الترابي الذي لا اعتبره مجدداً على الإطلاق، لأنه انشغل بآلية الوصول إلى السلطة وبتحريك الناس، ومن الناحية العملية والنتيجة لهذه نجد بعد 30 عاماً من التطبيق أن البلاد على شفا حفرة من النار، لذلك الحركات الإسلامية السائدة اليوم، هي حركات حركية منشغلة بالصراع على السلطة بأكثر من أنها منشغلة بتوسع دوائر الوعي وتفهيم الناس واقتراح طريق جديد، وكيف أن نتعامل مع الغرب وأن نقبل بالعولمة وكيف أنها إطار جديد لتبادل المعارف والمصالح وفي نفس الوقت نحتفظ بفكرة العدالة كفكرة مركزية تمشي حولها الأشياء، وهذه هي جوهرة القضية في أن كيف نطبق العدالة الاجتماعية وكيف نحرسها وأن لا يكون رأس المال مطلقاً وأن الربح يكون هو القوة المطلقة، وأن لا نصبح تابعين لمكانزيمات الربح!! تحديات العولمة في تحديات العولمة يقول الدكتور النور حمد إن هنالك هجمة عليها باعتبارها تعدياً على الهوية والثقافة وعلى الأخلاق ويقف البعض منها هذا الموقف ويدق ناقوس الخطر منها، ولكنه يستدرك ويقول إن هنالك أيضاً فريقاً من الناس يقول إن للعولمة مزايا كبيرة إيجابية، ويرى أن هذا هو التيار الصحيح، ويعتقد أن هنالك مزايا للحداثة بأنها فتحت سوق العمل وفي ذات الوقت خلقت أزمة توظيف، فهنالك الكثير من الشركات التقنية لكن عدد الموظفين قليل، وهناك ظهور اقتصاديات المعرفة لشركات عابرة للقارات، وأصبح رأس المال يوظف العمالة من خارج البلاد بتكلفة أقل من تعيين مواطن البلاد الذي يكلف تأميناً صحياً وضماناً اجتماعياً. وختم النور حديثه بأن للفكر الإسلامي الفرصة في أن يجدد الفكر الإنساني الروحاني ضد التوحش الرأسمالي المسيطر الآن، والذي جعل من الإنسان سلعة. صراع المصطلحات من جانبه استنكر البروف عبدلله علي إبراهيم عدم اعتراف التيارات الإسلامية بالحركات الإسلامية المتشددة وتخوينها، مشيراً إلى أنها مولود شرعي لذات التيارات، وانتقد مصطلح النخبة والصفوة وقال إنه ليس من المفيد استخدامه، لأن الصفوة خلقت لتصادم الطبقة، وقال هذا ليس منجزاً أو منتجاً فكرياً، وأضاف أن اللبرالية الجديدة مصطلح طغى على العالم بمفهوم العولمة، وأشار إلى توجهاتها بتشكيل المجتمع وفقاً للربح والخسارة والإنسان هو مستهلك وآلة حسابية، واللبرالية الجديدة تدعم دولة الرفاهية وضاغطة عبر الضرائب. ومن ناحيته أكد الدكتور إبراهيم محمد زين أنه لا يحب مصطلح العولمة، وقال إن الأفضل القول بأن المصطلح هو العالمية، وأضاف أن العمولة لا تبحث عن الحقيقة، فهي جعلت من الإنسان هو قلب نظرية المعرفة ونظرية الأخلاق، وجعلت الأخلاق نسبية للإنسان وليست على علائقية يكتسبها الإنسان، ونفت تماماً وجود القيم التي نتحدث عنها، والمعروف أن القيمة ينشئها الإنسان بفعله، ويرى أن العالمية تحقق القيم والحق للإنسانية ويمكن طرح العالمية بدلاً عن العولمة.